أرشيف التصنيف: العقائد

شرح دعاء الليلة الثالثة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم 

دعاء الليلة الثالثة عشر

يا جبار السماوات والأرضين، ومن له ملكوت السماوات و الأرضين، غفار الذنوب، الغفور الرحيم،السميع العليم، العزيز الحكيم، الصمد الفرد الذي لا شبيه لك، أنت العلي الأعلى العزيز القادر، أنت التواب الرحيم، أسألك أن تصلي على محمد وآله، وأن تغفر لي وترحمني، إنك أنت أرحم الراحمين. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(يا جبار السماوات والأرضين، ومن له ملكوت السماوات و الأرضين). 

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الحج:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }.

وقال عز ذكره في سورة التغابن:{يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ}.

إن تعامل المؤمن مع الله تعالى معاملة العبد المتيقن أنه عالمٌ بالسر والجهر والغيب والشهادة وأنه عز وجل لا تخفى عليه خافية في السموات والأرض، فيطمئن قلبه في  الإجلال والتعظيم له تبارك الله العزيز القدير.

روي ، عن الحسين بن بشار عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال: سألته أيعلم الله الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون أولا يعلم إلا ما يكون؟ فقال عليه السلام: إن الله تعالى هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء قال عز وجل: ” إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ” وقال لأهل النار: ” ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ” فقد علم عز وجل أنه لو ردهم لعادوا لما نهوا عنه، وقال للملائكة لما قالوا: ” أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون ” فلم يزل الله عز وجل علمه سابقا للأشياء، قديما قبل أن يخلقها، فتبارك ربنا وتعالى علوا كبيرا، خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء، كذلك لم يزل ربنا عليما سميعا بصيرا.

المؤمن يحلل عقدة لسانه في أعذب كلام يملأ قلبه يقينا بنسمات التوحيد ومن كلام سيد الموحدين أمير المؤمنين عليه السلام قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ الْأَمُوُرِ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ أَعْلَامُ الظُّهُورِ وَامْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ الْبَصِيرِ فَلَا عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ وَلَا قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلَا شَيْ‏ءَ أَعْلَى مِنْهُ وَقَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلَا شَيْ‏ءَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلَا اسْتِعْلَاؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَلَا قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِي الْمَكَانِ بِهِ لَمْ يُطْلِعِ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ وَلَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلَامُ الْوُجُودِ عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُهُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ وَالْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً .

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(غفار الذنوب، الغفور الرحيم،السميع العليم، العزيز الحكيم، الصمد الفرد الذي لا شبيه لك).

إن للذنوب آثار سيئة تنعكس على الإنسان فتكون النتيجة ضرراً ومآسي وشقاء عليه، متحولة إلى سموما مهلكة له، معرضة أياه إلى الأخطار والمهالك، وقد أشار الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز حيث قال في سورة الأنعام: ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾.

وروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال: عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الدّاء، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار؟!.

عند معرفة المؤمن غوائل الذنوب، وأضرارها المادية والروحية الجسمية وفداحتها وسوء آثارها على الإنسان.

روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: إن العبد يسأل اللّه الحاجة، فيكون من شأنه قضاؤها الى أجل قريب أو الى وقت بطيء، فيذنب العبد ذنباً، فيقول اللّه تبارك وتعالى للملك: لا تقضِ حاجته، واحرمه إياها، فانه تعرّض لسخطي، واستوجب الحرمان مني.

ونحن في ظل جائحة ألمت على أهل الأرض حيرت العقول قد تكون لذنوب ارتكبوها فأغضبت العزيز الجبار.

وروي عن الإمام الرضا عليه السلام قال :كلّما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعلمون، أحدث اللّه لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون.

وعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قال: توقوا الذنوب، فما من بلية، ولا نقص رزق، إلا بذنب، حتى الخدش، والكبوة، والمصيبة، قال اللّه عز وجل: وما أصابكم من مصيبة، فبما كسبت أيديكم، ويعفو عن كثير.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أنت العلي الأعلى العزيز القادر، أنت التواب الرحيم، أسألك أن تصلي على محمد وآله، وأن تغفر لي وترحمني، إنك أنت أرحم الراحمين). 

وعند معرفة غوائل الذنوب، وأضرارها المادية والروحية، والجسمية في فداحتها، وسوء آثارها على الإنسان، يجب البحث والمبادرة إلى تطهير هذه الروح و معالجة النفس من الآثار التي أوجدتها، بيقظة الضمير وشعوره بالأسى والندم على معصية الله ، فتكون بابا لوصوله إلى الإنابة إلى الله عز وجل ، والعزم الصادق على طاعته، لتصفية النفس من الذنوب فتتحقق التوبة.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في الزمر: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ليس شيء أحب الى اللّه من مؤمن تائب، أو مؤمنة تائبة. 

وروي عن أبي عبد اللّه أو عن ابي جعفر عليهما السلام قال: “إن آدم قال: يا رب سلّطت عليّ الشيطان وأجريته مجرى الدم مني فاجعل لي شيئاً. 

فقال: يا آدم جعلتُ لك أن من همّ من ذريتك بسيئة لم يكتب عليه شيء، فإن عملها كتبت عليه سيئة، ومن همّ منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة، فإن هو عملها كتبت له عشراً. 

قال: يا رب زدني. 

قال: جعلت لك أن من عمل منهم سيئة ثم استغفرني غفرت له. 

قال: يا رب زدني. 

قال: جعلت لهم التوبة حتى يبلغ النفس هذه. 

قال: يا رب حسبي.

وروي عن محمد بن مسلم قال: قال الباقر عليه السلام: “يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب عنها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما واللّه إنها ليست إلا لأهل الإيمان. 

قلت: فإن عاد بعد التوبة والاستغفار في الذنوب؟ وعاد في التوبة؟

فقال عليه السلام: يا محمد بن مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر اللّه تعالى منه ويتوب ثم لا يقبل اللّه توبته؟!! 

قلت: فانه فعل ذلك مراراً، يذنب ثم يتوب ويستغفر.

فقال عليه السلام: كلّما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة، عاد اللّه عليه بالمغفرة، وإنّ اللّه غفور رحيم، يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، فإيّاك أن تُقنّط المؤمنين من رحمة اللّه تعالى.

فضائل التوبة ومآثر التائبين، وما حباهم اللّه به من كريم العفو، وجزيل الأجر، وسمو العناية واللطف، في هذا الشهر المبارك فيجتهدون بأعمالهم وقيامهم ليكونوا قد جمعوا خصالا.

 يروى عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أعطيت أمتي خمس خصال في شهر رمضان لم يعطهن أمة نبي قبلي. أما واحدة فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله عز وجل إليهم ومن نظر الله إليه لم يعذبه .

والثانية : خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك . 

والثالثة : يستغفر لهم الملائكة في كل يوم وليلة .

والرابعة : يقول الله عز وجل لجنته : تزيني واستعدي لعبادي يوشك أن يستريحوا من نصب الدنيا وأذاها ويصيروا إلى دار كرامتي . 

والخامسة : إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان غفر الله عز وجل لهم جميعا .

فقال رجل: يارسول الله أهي ليلة القدر؟

قال:لا أما ترون العمال إذا عملوا كيف يؤتون أجورهم ؟!

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

أحيوا أمرنا

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله فالق الحبة ومجري الأمور كيف يشاء المعز المنتقم لأوليائه من الظالمين المقتدر على كل شيء يحي ويميت له القوة والعزة، والصلاة والسلام على أشرف خلقه الصادق الأمين المبعوث رحمة للعالمين ابي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على اعدائهم اجمعين إلى قيام يوم الدين.

حل شهر محرم الحرام على المسلمين وخصوصا أتباع أهل البيت عليهم السلام في هذا العام أثناء جائحة عالمية.

فشرع النقاش والجدل حول كيفية إقامة هذه الفاجعة التي كانت مصدرا للمثل العليا والقيم الساعية التي جسدها الإمام الحسين  عليه السلام في الطف جعلت السائرين على نهجه والمرتبطين به يحيون ذكراه، وينشرون مآثره، باعتبارها خير أسوة يتأسى بها الناس، فإحياء الذكريات التي تمثل منعطفاً بارزا وتحولا نوعيا في حياة الأمم أمر طبيعي وغير مستهجن، لأنه نابع من ذات الإنسان ومتصل بفطرته.

كما أن الأيام تعتبر مزدهرة وخالدة ومتصفة بالتميز بوقوع الأحداث العظيمة فيها، وأي حادثة أعظم من واقعة كربلاء؟! فالمسلمون الشيعة يقيمون هذه المآتم ويحيون هذه الذكرى الأليمة من هذا المنطلق، ومن منطلقات أُخرى، منها:

امتثال أمر الله تعالى القاضي بمودّة العترة الطاهرة، حيث قال تعالى: ) قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ([1] ، ومواساة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا المصاب الجلل من أظهر مصاديق المودّة ، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكى على الإمام الحسين عليه السلام ، وهو لم يزل في سني الطفولة.

فقد ورد عن عائشة أنّها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه، والتربة في يده، وفيهم أبو بكر ، وعمر ، وعلي عليه السلام، وحذيفة ، وعمار ، وأبو ذر ، وهو يبكي ، فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله ؟! فقال: ” أخبرني جبرائيل، أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ، وجاءني بهذه التربة، فأخبرني أنّ فيها مضجعه[2].

فنحن نقيم هذه الشعائر لأنّ فيها نصراً للحقّ وإحياءً له، وخذلاناً للباطل وإماتة له، وهذا الأمر أوجب الله تعالى من أجله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وإحياؤنا لهذه الذكرى حفظ لها من الضياع، وصون لمبادئها من التزييف، ولولا ذلك لاضمحلت، وخبت جذوتها، ولأنكرها المخالفون، كما حاولوا إنكار غيرها!!

فالإحياء والمشاركة لشعائر الحسين عليه السلام إحياء لذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنّه قال: حسين منّي وأنا من حسين[3].

إنّ أوّل مجلس هو ما نصبه الإمام زين العابدين عليه السلام في الشام، عندما خطب في ذلك الحشد، وأخذ ينعى ويعدّد صفات أبيه ومظلوميته، والناس من حوله تبكي، مجلس عزاء أقامه في الجامع الأموي[4].

وما كان يفعله الإمام زين العابدين عليه السلام عند مروره بالقصّابين، وتذكيرهم بمصاب الإمام الحسين عليه السلام، وأخذه البكاء أمامهم، فإنّ هذا عزاء لأبيه الحسين عليه السلام في الملأ العام.

وقد روى العلاّمة المجلسي عن بعض مؤلّفات المتأخّرين أنّه قال: ” حكى دعبل الخزاعي قال: دخلت على سيّدي ومولاي علي بن موسى الرضا عليه السلام في مثل هذه الأيّام يعني محرّم فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب، وأصحابه من حوله، فلمّا رآني مقبلاً قال لي: ” مرحباً بك يا دعبل، مرحباً بناصرنا بيده ولسانه “، ثمّ وسّع لي في مجلسه، وأجلسني إلى جنبه وقال لي : ” أن تنشدني شعراً ، فإنّ هذه الأيّام أيّام حزن كانت علينا أهل البيت، وأيّام سرور كانت على أعدائنا ، خصوصاً بني أُمية ، يا دعبل من بكى وأبكى على مصابنا ولو واحداً كان أجره على الله ، يا دعبل من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا حشره الله معنا في زمرتنا ، يا دعبل من بكى على مصاب جدّي الحسين غفر الله له ذنوبه البتة ” ، ثمّ إنّه عليه السلام نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه ، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدّهم الحسين عليه السلام، ثمّ التفت إليّ وقال لي: “يا دعبل إرثِ الحسين عليه السلام فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيّاً ، فلا تقصّر عن نصرتنا ما استطعت ” ، قال دعبل : فاستعبرت وسالت عبرتي ، وأنشأت أقول :

أفاطم لو خـلت الحسـين مجـدّلاً وقـد مـات عطشـانـاً بشـــط فراتِ
إذاً لـلطمـت الخـدّ فاطم عنـده وأجريت دمع العين في الوجنات

فهنا الإمام (عليه السلام) عقد مجلساً لذكر جدّه الإمام الحسين (عليه السلام)، وأمر بضرب الحجاب حتّى يسمع أهل بيته[5].

روى العلاّمة المجلسي أنّه لمّا أخبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة (عليها السلام) بقتل ولدها الحسين (عليه السلام)، وما يجري عليه من المحن، فبكت فاطمة بكاءً شديداً، وقالت: ” يا أبت متى يكون ذلك ” ؟ قال : ” في زمان خالٍ منّي ومنك ومن علي “، فاشتدّ بكاؤها وقالت : ” يا أبت فمن يبكي عليه ؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له “؟

فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): ” يا فاطمة إنّ نساء أُمّتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة، فإذا كان القيامة، تشفعين أنت للنساء، وأنا أشفع للرجال، وكلّ من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده، وأدخلناه الجنّة[6].

وما روى الشيخ الصدوق (قدس سره) بسنده عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال : ” إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال ، فاستحلّت فيه دماؤنا ، وهتكت حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا.

ثمّ قال (عليه السلام): ” كان أبي (صلوات الله عليه) إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى تمضي عشرة أيّام منه، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام)[7].

وهناك روايات كثيرة واردة في أنّ الأئمّة (عليهم السلام) كانوا يظهرون الحزن والعزاء عند دخول شهر محرّم ، نعم تبقى مسألة لابدّ من الالتفات إليها ، وهي حالة الأئمّة (عليهم السلام) وما كانوا عليه من المطاردة والمحاصرة ، والمراقبة المشدّدة من قبل الدولتين الأُموية هي التي وقعت فيها معركة كربلاء والعباسية ، ومعلوم موقف الدولتين من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ، فلذلك لا تجد أنّ الإمام يقيم العزاء العام ، ويدعو الناس إليه كما يقام الآن ، لأنّه في رقابة وفي محاصرة تامّة من قبل السلطة .

بعد معرفة عظم واقعة الطف على أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم فإقامة العزاء للإمام الحسين عليه السلام في ظل جائحة خطيرة تعصف بالعالم وقد حيرت علماء الطب، وخلاصة كلامهم وما يفهم منهم أن الامر يحتاج إلى تدخل السماء في رفع الجائحة، ويعترف بعض حيث الشفاء يمكن أن يكون بالعلاج بالإيمان وهو ما يسمى ب believe therapy حيث البركات أو الحالة النفسية الإيجابية حين التوجه للعبادات.

ونرى أتباع أهل البيت عليهم السلام يتوجهون إلى الدعاء والصلاة وقراءة القرآن، وأهم ما يختلج عندهم هو إقامة مجالس الإمام الحسين عليه السلام حيث وردت روايات كثيرة تدل على سرعة الاستجابة والشفاء ببركة سيد الشهداء عليه السلام.

فعن زرارة بن أعين عن حمران بن أعين قال: سمعت أبا عبدالله الصادق عليه السلام يحدث عن أبائه عليهم السلام أن رجلا كان من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام مريضاً شديد الحمى فعاده الامام الحسين عليه السلام فلما دخل من باب الدار طارت الحمى من الرجل فقال له: الحمى تهرب منكم ، فقال الامام الحسين عليه السلام: والله ما خلق شيئا إلا وقد أمره بالطاعة لنا[8].

إن الاستشفاء وطلبه يكون إما عبر الوسائل الطبية المتعارفة وأما أن يكون عبر  الإعجاز الإلهي أو الكرامة الإلهية لأولياء الله عز وجل، فبعد عجز حلول العلم الدنيوي ترى طبيعة البشر تبحث عن حلول أخرى، فقد وردت روايات كثيرة في فضل الاستشفاء بتربة الحسين عليه السلام ، وقبل ذكر ماورد فيها أذكر ما ورد عن الاستشفاء بغبار المدينة المنورة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: غبار المدينة شفاء من الجذام[9].

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: غبار المدينة يبرئ الجذام[10].

وعنه أيضا صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن في غبارها شفاء من كل داء[11].

وقال صلى الله عليه وآله وسلم في الاستشفاء بتربة المدينة: و الذي نفسي بيده إن تربتها لمؤمنة وإنها شفاء من الجذم[12].

ومن أراد التطويل فالمراجع كثيرة من كتب الفرق الإسلامية، فتربة المدينة فيها الشفاء كذلك تربة الامام الحسين عليه السلام حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا.

وتربة قبر الحسين عليه السلام فإن فيه شفاء من كل داء وأمناً من كل خوف، روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: عند رأس الحسين عليه السلام التربة الحمراء فيها شفاء من كل داء إلا السام [13](أي الموت).

وعن ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام يأخذ الانسان من طين قبر الحسين عليه السلام فينتفع به ويأخذه غيره فلا ينتفع، فقال عليه السلام: لا والله الذي لا إله إلا هو ما يأخذه أحد وهو يرى أن الله ينفعه به إلا نفعه به[14].

وعنه عليه السلام قال: من أصابته علة فبدأ بطين قبر الحسين عليه السلام شفاه الله من تلك العلة إلا أن تكون علة السام[15].

وهذه أيام محرم الحرام ففيها تقام مجالس العزاء في كل بقاع الأرض وتشهد كل المواساة  لآل رسول الله عليهم السلام ، وخصوصا أن إمام زماننا ـ كما ورد عنه ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف، في زيارة الناحية المقدسة:  لأبكين عليك بدل الدموع دما، فكلام الإمام المعصوم حجة، فالبعض الذي لا يعي يرده اليهم، فعن الإمام الباقر عليه السلام : إذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهدا ، أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به ، والا فقفوا عنده ، ثم ردوه إلينا حتى يستبين لكم[16].

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: نحن سفينة النجاة من تعلق بها نجا ومن حار عنها هلك فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت[17].

ونحن نبتغي الى الله الوسيلة كما قال عز ذكره في محكم كتابه العزيز:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)[18] .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الأئمة من ولد الحسين (عليه السلام) من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله، هم العروة الوثقى، وهم الوسيلة إلى الله تعالى[19].

وان إقامة مجالس العاشورائية هي لأحياء دين الله وتثبيت عقائد المسلمين الشيعة بولائهم للحسين عليه السلام ببقاء نداء الطف لبيك ياحسين في كل زمان ومكان.

جعلنا الله وإياكم من الذين يؤمنون بالغيب حيث قال  عنهم الله عز ذكره في كتابه المبين:( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )[20] ” الذين يؤمنون بالغيب ” أي بما غاب عن حواسهم من توحيد الله ونبوة الانبياء، وقيام القائم عليهم السلام، والرجعة، والبعث، والحساب، والجنة، والنار وسائر الامور التي يلزمهم الايمان بها، مما لا يعرف بالمشاهدة، وإنما يعرف بدلائل نصبها الله عزوجل عليه.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

حسين المولى

2 محرم الحرام 1442هجري

النجف الاشرف


[1] سورة الشورى آية 23

[2] – فيض القدير 1\266 مجمع الزوائد 9\189 – المعجم الكبير 3\107

[3] كامل الزيارات: 116 – المستدرك على الصحيحين 3\177 – كشف اليقين:305

[4] الاحتجاج 2\38

[5] بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج45 ص 256

[6] بحار الانوار للعلامة المجلس 44\292

[7] الأمالي للشيخ الصدوق: 190

[8]– رجال الكشي: 87 – بحار الأنوار ج44 ص 183    لمناقب ج4 ص51

[9] كنز العمال: 13\205

[10] كنز العمال: 13\204

[11] كنز العمال: 13\206

[12] وفاء الوفاء:1\67و68

[13] كامل الزيارات: ٢٩٣، المستدرك ١٠: ٣٣١، الكافي ٤: ٥٨٨، بحار الأنوار ١٠١: ١٢٣.

[14] الكافي ج4 ص 589

[15] كامل الزيارات:275

[16] الكافي ج2 ص 222

[17] فرائد السمطين 1\37

[18] سورة المائدة آية 35

[19] عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ج1 ص63

[20] سورة البقرة آية 3

المُعجِزَةُ الخالِدة ..

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على البدرِ التمامِ وشمسِ الشموس والنورِ الباهر والعلمِ الزاهر البشيرِ النذير محمد وعلى آله بدور الخلفاء، ونجوم الأصفياء ..
📚 في الحديث الشريفِ عَنْ رسولِ الله (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلم):

(( فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه )).

بحار الانوار، ج89، ص19.
📌 إنَّ القرآن الكريم هو الوحي الإِلهي المُنزل مِن الله سبحانهُ وتعالى على لسان نبيهِ المصطفى محمدٍ (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلم)، وهو مُعْجِزتهُ الخالِدة التي أعجزت البشرَ عَن مُجاراتها في البلاغَةِ والفصاحة، وفيما حوى من معارِفٍ عاليةٍ وحقائق عظيمة.

فهو “المعجِزَةُ الخالِدة”.
🖊 ولقد عرَّف العلماءُ ” المعجزةَ ” بأنها: عبارة عن الأمر الخارقِ للعادَة، يأتي بها مدَّعي النبوة بِإِرادة الله جلَّ جلاله، وتكونُ دليلاً على صدقِ دعواه، ويعجزُ الناس عن مجاراتها والإتيان بمثلها.
📌 وهذا التعريف يوضِحُ لنا أموراً أربعة:
1. وجود بعض الظواهر الخارقة للعادة، وهي التي لا يمكن أن تكون موجودةً من خلال العلل والأسباب العادية والطبيعية.

2. أن الأمر الخارق للعادة من الأنبياء هو بإِرادة اللهِ سُبحانهُ، وتكون مِنَ النبيِّ بِإِذنٍ خاصٍ مَِ الله عزَّ وجلَّ.

3. إن مثل هذا الأمر الخارق، يمكن أن يكون دليلاً على صدق دعوى النبيِّ بِالنبوة، فيصطلحُ عليهِ بـ ” المُعْجِزَة “.

4. أن هذا الأمر الخارق للعادة يعجزُ عن اِتيانه سائر البشر العاديين.
🖊 لقد بَعَثَ الله سبحانه في مراحل تاريخيَّة مختلِفة عشرات الآلاف من الأنبياء وجعلهُم مناراً لهداية عبادِهِ وأيدهم بالدلائِل الواضِحَةِ والمعاجزِ الباهرة، الخارقة للعادة، لتكون علامةً على صدقِ كلِّ نبيٍّ بعثَهُ الله تعالى لهدايةِ البشر، وتكون حجة على الناس.
📌 ومِنَّ الأمور الدقيقةِ في معاجِز الأنبياءِ عندما يتأمل القارئ لمعجِزَةِ كلِّ نبيٍّ مِن أنبياءِ الله تعالى، أن معجزة كل نبيٍّ تتناسَبُ مع ما اشتُهِرَ

في زمانِهِ وعصرِه مِنَ العُلوم والفنون.
📌 فكانت معجزةُ نبيِّ اللهِ موسى الكليم (على نبينا وآله وعليه الصلاة السلام) هي ” العصا ” التي تلقف السحر وما يأفكون، حيث كانَّ السِحر في عصرِ النبي موسى فناً شائِعاً، فكانت معجزتُهُ تتناسبُ معَ عصرهِ، وأنها مما عجز عن مثله البشر.
📌 وكذلك مُعجزةُ نبيِّ الله عيسى بن مريم (عليه السلام) هي ” إبراء الأكمه والأبرص وإِحياء الموتى “، إذ جائتْ هذهِ المُعْجِزَةُ في زمانٍ كان فنُ الطبِ هو السائِدُ بين الناس، وفيه أطباء لهم مكانتهم العالية والخاصة في مجتمعهم، فعجز طبهم وعلمهم عن مُجاراةِ ما جاء بِهِ نبيُّ اللهِ عيسى (عليهِ السلام).
📌 وفي القرن السادس بعد ميلاد نبيِّ اللهِ عيسى (عليهِ السلام)، جاء الهادي والمُرسل لكُلِّ الناس كافة، أفضل خلقِ الله سبحانه النبيُّ المُصطفى محمد بن عبدالله (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلم) وهو يحملُ المُعجزَةَ الخالِدَة وهي ” الْقرآن الكريم “، المعجزُ بِبَلاغَتِهِ وفصاحته، في وقتٍ كانَّ علمُ البلاغة وفن الفصاحةِ معروفاً وسائداً، وكانَّ البُلغاءُ هم المقدمون عندَ الناسِ بسموِ فَصَاحَتهم، وحُسنِ بلاغتهم وبيانهم، فجاءَ كتابُ الله سبحانهُ وتعالى كَالصاعقةِ التي أدهشتهم وأوقفت عقولهم، وأفهمتهم أنهُ لا قِبلَ له بهذا الكتاب العظيم.
🖊 لهذا كانَّ القرآن الكريم – ” المُعجِزَة الخالِدة ” – الكتاب السماوي الوحيد الذي أعلن بكلِّ قوةٍ وصراحة أنْ لا أحد يتمكن من الإتيان بمثلِهِ أبداً، حتى لو اِجتمعت الإنسُ والجنُّ.
📚 قال اللهُ تعالى: { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } سورة الإِسراء، آية 88.
📌 وقد تحدى القرآنُ تحدياً بكلِّ قوة أولئك البلغاء والفصحاء، لا أن يأتوا بمثل هذا القرآن، بل أن يأتوا بسورة من مثله، ولو سورة قصيرة.

فقال سبحانه وتعالى: { وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } سورة البقرة، آية 23.
📌 ومِن عناصرِ ودلائِل الإِعجاز في كتابِ الله الْقُرآن الكريم، فصاحته وبلاغته، أي أنَّ الله سبحانه وتعالى اِستخدمَ لِعرض مقاصِدِهِ في كلِّ مَوضوعٍ أعذب الألفاظ، وأجملها، وأجودَ التراكيب سبكاً وتأثيراً واعتدالاً.
📌 ومِنْ دلائِل إِعجازِ القرآن الكريم أنه لا يعتريهِ التبديل والتغيير والتحريف، وأنَّ هذا القرآن الكريم الذي بين أيدينا ونتلوهُ هو نفسُ الْقُرآنِ المُنزل على رسولِ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلم)، وأيُ مُدعٍ يدعي غير هذا فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه، وأن مَنْ يقول بتحريف القرآن أو أنه غير الذي أُنزل على رسول الله فهو على غير هُدى، فإنَّ هذا القرآن هو كلام الله والمعجِزَةُ الخالدة التي قال بحقِ الجليلُ سبحانهُ وتعالى: { لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } سورة فصلت، آية 42.
📚 وقد رويَّ عن الإِمامِ جعفرٍ الصادق (عليه السلام): (( هو قول اللّه .. وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد )).

امالي الصدوق، ص326.
📌 وَمِنْ دَلائِل الإعجازِ الْقُرآني ” التناسق وعدم الإختلاف، فإنَّ القُرآنَ الكريم كِتابٌ نزل خلال ثلاثة وعشرين عاماً مِنْ حياةِ الرسولِ الأَكرم، وهذه السنين والأعوام شهدت عِدة مراحل مليئة بالحوادِث والإضطرابات الملتهبة، ورُغم هذه الحوادث والتحدِّيات والمتغيِّرات لم يكن لها أيُّ تأثيرٍ مِن محتويات القرآن وأُسلوبِ إعجازِهِ.

فقد قال اللهُ سبحانه: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } سورة النساء، آية 82.
📌 وإنَّ مِن الدلائِل الواضحات لذوي البصائِرِ والعقول على إِعجازِ الْقُرآنِ المجيد أنهُ كلما تقدمَ الزمن وتقدمتْ العلوم والفنون فهو باقٍ على طراوتِهِ وسمو مقاصِده وعظيم حلاوته، لا يظهرُ فيه خطأٌ في أي نظريةٍ علميةٍ ثابتة، ولا يطرأُ عليهِ تبديلٌ أو تحريف، قال تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } سورة الحجر، آية 9.
والحمدُ للهِ رب العالمين ..

وصلى اللهُ على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين ..
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الجمعة 22 شعبان 1438هـ.

البحرين

العقيدةُ المهدوية في كلامِ النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع)..

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدُلله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتم أنبياءِهِ ورُسُلِهِ محمد بن عبدالله وعلى أهلِ بيتِهِ الهُداةِ الطيبين الطاهرين …
📚 روي عن عبدالله بن عمر أنّ النبيّ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) قال:
(( يَخْرُجُ في آخِر الزَّمانِ رجُلٌ مِنْ وُلْدي، اسمُهُ كإِسْمي، يَمْلَأُ الأَرْضَ عَدْلاً كمَا مُلِئَتْ جَوْراً )).

عقد الدرر: 56، الباب 2، الحديث 42.

إنَّ الباحثَ والمُتَتَبِع للقضية المهدوية، يجدُ أنها أمرٌ ثابِتُ، ومسألةٌ حقة، قدْ ذُكِرت في الأديانِ السماوية،

وقد ذكرها أنبياءُ الله ورسله (عليهم سلامُ الله)، وأنها وعدٌ إلهي لابُدَّ وأنْ يتحقق، وبشارةٌ بَشَرَ الإِسلامُ المُسلمينَ بهـا.

وأن القضية المهدوية لَثابِتةٌ في كتب المذاهب الإسلامية.
وعند تتبعِ القَضِيَةِ المهدوية في روايات المعصومين (عليهم السلام)،

وعلى رأسهم منقذ البَشريةِ من العمى والضلال النبي المصطفى (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم).

فيجدُ الباحِثُ أن النبيَّ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) والأئمة مِن أهلِ البيت (عليهم السلام) قد ركزوا تركيزاً بالغاً في تثبيت فكرة المهدي (عجل اللهُ تعالى فرجهُ الشريف)، وَوُرُود الأحاديث الكثيرة حول العقيدةِ المهدوية والظهور،

ويدل ذلك على أمورٍ ودلائِلَ عديدة:
1. القضية المهدوية وعدٌ إلهي ذُكر في القرآن الكريم وذكرهُ رسولُ الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) في أكثر مِنْ مكانٍ وزَمان، والنبي الخاتم هو الذي قال الله تعالى في حقهِ: ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إنْ هو إلا وَحْيٌ يُوحَى ) سورة النجم آية 3، 4.
2. القضيةُ المهدوية حقيقةٌ لا تقبل الإنكار.

3. القضية المهدوية هيَّ بشارة الخلاص مِنْ الظلم بجميعِ أصنافِه فَبِها يَتَحَقَق العدل والقسط لكلِّ البَشرية.
4. القضيةُ المهدوية مسألةٌ وعقيدةٌ بالغَةُ الأَهمِية.

5. القضيةُ المهدوية لها ثوابِتٌ وضَوابِط قد بينها رسولُ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) وأهلُ بيتِهِ (عليهُمُ السلام)، لكي لا يدعيها مُدَّعٍ كذاب فينخدِعُ الناسُ بِهِ.

وفي هذه المقالة نقفُ على الدورِ الكبير للنبيِّ الأَكرم (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) والأئمة من أهلِ بيت العصمة والطهارة (صلواتُ الله عليهم أجمعين)، في تربيةِ المُسلمين كافة والشيعة الإِمامية خاصة

على العقيدة المهدوية وحقيقتها وأهميتها، وكيفَ تداولها أهل العصمة (عليهم السلام) في أحاديثهم.
فقد أُثِرَتْ عن النبي (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) وعن أوصيائِه الطاهرين (عليهم السلام) كوكبةٌ ومجموعةٌ مِن الأخبار التي تَحمُلُ البشرى إلى كلِّ العالم بِظهور الإمام المُنتظر المهدي (عجل اللهُ تعالى فرجه الشريف)، الذي يبين الحقَ لأهله، ويُقيمُ اعوجاج الحق، ويبسط الأمن والأمان والرخاء، وينقذ البشرية من شرور الظالمين وكيد المعتدين.

ويشيع المودّة بين جميع الناس في كلِّ أرجاء المعمورة، في ظِلال حكمهِ المُبارك.

# المبشرون بالإمام الخلف الحجة المنتظر (عجل اللهُ تعالى فرجه):
1. النبي الأكرم محمد بن عبدالله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم):-

جَمهرَةٌ كبيرة من الأخبار قد أُثِرت عن رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) بظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، نذكر نماذج من تلك الأخبار:-
– روى الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام)، أن رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) قال:

(( المهديُّ مِنْ وُلْدي، يكونُ لهُ غيبَةٌ وحيرة، تُضِلُّ فيه الأُمم، يأتي بذخيرة الأنبياءِ (عليهم السلام) فيملأها عدلاً وقسطاً كما مُلِئَتْ جوراً وظلماً )).

فرائد السمطين ج2، ص335، وروي بصورة موجزة في كتاب ينابيع المودة ج3، ص396.
لقد تكلم الرسول (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) في هذا الحديث الشريف عن غيبةِ الإِمام (عليه السلام)، وأنها تكون مصدر ذهول وحيرة لبعض الأمم، فيؤمن بها قومٌ، ويجحدها آخرون،

والبشارة الكبرى أنَّ المهدي (عجل الله فرجه) إذا ظهر سيأتي بذخائر الأنبياء، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
– روى حذيفة أن النبيَّ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) قال:

(( لَوْ لَمْ يَبْقَ منَ الدُنيا إلا يومٌ واحد لبعثَ اللهُ رجُلاً مِنْ وُلْدي اسمه اسمي، وخَلقُهُ خلقي، يكنى أبا عبدالله، يُبايعُ لَهُ الناسُ بين الركن والمقام، يَردُّ اللهُ بهِ الدين،

ويفتح لهُ فُتوحاً ولا يبقى على وجه الأرض إلا مَنْ يقول: ” لا إله إلا الله “.

فقام سلمان فقال: يا رسولَ اللهِ، مِنْ أي وُلْدِك ؟

فقال: مِن وُلْدِ ابني هذا، وضرب بيده إلى الحسين )).

عقد الدرر: 56، الباب 2، الحديث 41.

وهنا بين النبيُّ الأكرم (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) في هذا الحديث الشريف أموراً مرتبطةً بالمهديِّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وظهوره، وهي:-
1. أنَّ ظهور الإمام الحُجة وخروجه من الأمور الحتمية التي لابد أنْ تتحق في عالم الدنيا.
2. أنَّ الموعود (عجل الله فرجه) يكون مِن وُلدِّ النبي، واسمه اسم رسول الله، وخَلقُهُ خَلق الرسول، وهو مِن وُلد الإمام الحُسين.
3. تحديد مكان البيعة للإمام المهدي، (بين الركن والمقام).

4. في دولة المهدي (عجل الله فرجه) سَيَرفَعُ الجميع كلمة الحق، وهي كلمة ” لا إله إلا الله “.
– روى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) قال:

(( إنَّ علياً وصيّي، ومِنْ وُلْدِهِ المنتظر المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلِئَتْ جوراً وظلماً،

والذي بعثني بالحقِّ بشيراً ونذيراً، إن الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأَعَزَّ من الكبريتِ الأحمر )).

فقام إليه جابر بن عبدالله فقال: يا رسول الله، وللقائمِ مِن ولدك غيبة ؟

قال (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم):

(( اي وربي لَيُّمَحِّصَ اللهُ الذين آمنوا ويمحقَ الكافرين )).

ثم قال: (( يا جابرُ، إنَّ هذا أمرٌ مِن أمرِ الله وسِرٌّ مِن

سِرِّ اللهِ فإِيّاكَ والشك، فإنَّ الشك في أمرِ الله عزَّ وجلَّ كُفْر )).

ينابيع المودة ج3، ص296 + ص297، الحديث 7.

وفي هذا الحديث الشريف ألمح النبي (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) إلى قلة المؤمنين بإمامة صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

في حال غيبته، وأنهم قلة نادِرة ” لأعزَّ من الكبريت الأحمر “.

وأن غيبة الإمام الصاحب (عج) هي بمثابة اِمتحان إلهي للعباد، وتمحيص لهم، فلا يؤمِنُ بهِ إلا مَن اِمتحن الله قلبه للإيمان.

ولقد ذكر رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) لجابر (رضيَّ اللهُ عنه) أنَّ غيبةَ الإمامِ المُنتظر هي سِرٌّ مِن سرِّ الله، وحذرَ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) تحذيراً شديداً مِن مصير الشاكِ فيه أو المنكر لوجوده،

فَمَنْ شكَّ في أمر الله فقد كفر.
2. الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):

– روى الأصبغُ بن نباتة، عن الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنه قال:

(( المهدي منا في آخر الزمان، لم يكن في أمةٍ مِنَ الأمم مهديٌّ يُنْتَظرُ غيره )).

دلائل الإمامة ص479.

هنا يركز الأمير (عليه السلام) على أنَّ المهدي (عج) مِن دوحَةِ النبوةِ والإِمامة، وليس غيره يقوم بالإِصلاح العظيم الذي يسود الدُنيا كلها، والذي ينتظره الناسُ في كلِّ العالم.
3. الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام):

– في حديث طويل للإمام (عليه السلام) حينما صالح معاوية، وقد لامه جماعة من شيعته على صلحه، فقال (عليه السلام):

(( وَيْحَكُمْ، أَلا تَعْلَمون أَنّي إِمامُكُم، مفترضُ الطّاعةِ عليكم، وأحدُ سيّدَي شباب أهل الجنة بنَصٍّ مِنْ رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) )).

قالوا: بلى.

قال: (( أما علمتم أنَّ الخضرَ لمّا خَرَقَ السفينةَ، وأقامَ الجِدارَ،

وَقَتَلَ الغُلامَ كان ذلك سَخطاً لموسى بنِ عمران، إِذْ خَفِيَ عليهِ وجْهُ الحِكْمَةِ في ذلك، وكان ذلك عند الله تعالى ذِكْرُهُ حِكمَةً وصواباً.

أما علمتم أنَّهُ ما مِنّا إلا ويقعُ في عُنُقِهِ بيعةٌ لطاغِيةِ زمانِه، إلا القائِمُ الذي يُصلي روحُ اللهِ خلفَهُ،

فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُخفي وِلادتهُ، وَبُغَيِّبُ شخصَهُ لِئَلّا يكونَ في عنقهِ بيعَةٌ إذا خرجَ، ذلك التّاسِعُ مِنْ وُلْدِ أخي الحُسينِ، ابْنُ سيدةِ النِّساءِ،

يُطيلُ اللهُ في عُمْرِهِ، وفي غَيبتِهِ، ثُمَّ يظهرُ بِقدرتهِ في صورةِ شابٍّ

دونَ أربعين سنة، وذلك ليعلم أنَّ الله على كلِّ شيءٍ قديرٌ )).

كمال الدين: 297. / كفاية الأثر: 225.

لما تكلم الإمامُ المُجتبى (عليه السلام) عن الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بين (عليه السلام) أموراً عديدةً، ترتبطُ بصاحب العصر والزمان (عج)، ومنها:-

أ. اخفاء ولادة الإمام المنتظر (عج) حفظاً على حياتهِ مِن حُكم بني العباس، كما حجبه عن أعين الناس لتلك الحكمة ولغيرها.
ب. إنَّ الإمام المهدي (عج) إذا خرج فإنَّ نبيَّ الله عيسى بن مريم يصلي خلفه.
ج. طول عمر وليِّ اللهِ الأعظم (عج)، ثم يظهره الله عزَّ وجلَّ بإِرادته إلى الناس بصورة شاب فيقيم العدل والحق في الأرض.
4. الإمام أبي عبدالله الحُسين (عليه السلام):

– عن الإمام الحسين (عليه السلام) قال:

(( في التاسع مِن وُلْدي سُنَّةٌ مِن يوسُف وسنةٌ مِن موسى، وهو قائمنا أهل البيت، يُصلحُ اللهُ تعالى أمرَهُ في ليلةٍ واحدةٍ )).

كمال الدين، ص297، الحديث 1.
يذكر الإمامُ الحُسين (عليه السلام) أنَّ الإِمام المنتظر (عج) لقد شابَهَ نبيَّ الله يوسف الصديق في سِجنِهِ وحجبِهِ عن الناس، وأنه شابه كذلك نبيَّ الله موسى في خفاءِ حملهِ وَوِلادَتِهِ خوفاً عليهِ مِن فرعون زمانِه.
5. الإمام علي بن الحُسين السجاد (عليهِ السلام):

– عن الإمام زين العابدين (عليه السلام):

(( في القائِم سُنَّةّ مِنْ سبعةِ أنْبِياءٍ:

سُنَّةٌ مِنْ أبينا آدَمَ، وسُنَّةٌ مِنْ نوحٍ، وسُنَّةٌ مُنْ إِبراهيمَ، وسُنَّةٌ مِنْ موسى، وسُنَّةٌ مِنْ عيسى، وسُنَّةٌ مِنْ أيوبَ،

وسُنَّةٌ مِن محمـد (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم).

فَأَمّا مِنْ أدمَ ونوحٍ فَطولُ العُمُرِ، وأما مِنْ إبراهيمَ فَخَفاءُ الوِلادَةِ

واعْتِزالِ الناسِ، وأما مِنْ مُوسى فالخوفُ والغَيبةُ،

وأما مِنْ عِيسى فاختلافُ الناسِ فيه، وأَما مِنْ أَيّوبَ فالفرجُ بَعْدَ البَلوى،

وأَمّا مِنْ محمـد (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) فالخروجُ بالسيفِ )).

كمال الدين: 352.

وتوجدُ كذلك أخبارٌ وأحاديث عن أئمةِ الهُدى (عليهم السلام) نقلها الرواة، ودونها الحفاظ.

فقد وَرَدَ عن إمامنا الباقر محمد (عليه السلام) في شأن الإمام الخلف (عجل اللهُ تعالى فرجَهُ الشريف) وحتمية ظهوره، كما في كمال الدين ص308، الحديث 11.

وَوَرَدَ كذلك عن إمامنا الصادق (عليه السلام) في شأن الإمام (عج) في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص42.

وعن إمامنا الكاظم (عليه السلام) في كتاب كفاية الأثر ص265، و ص266.

وعن إمامنا الرضا (عليه السلام) وردَ كذلك ما يبين أن الإمام المنتظر (عج) سيكون مصدر إشراقٍ ونور في جميع أنحاء الأرض، في كتاب ينابيع المودّة، ج3، ص297، الحديث 8.

وما نُقلَّ لما عن الرواة من أحاديث الإمام محمد الجواد (عليه السلام) بشأن حفيده الإمام المنتظر (عجل الله فرجه)، فنقل عنهُ (عليه السلام) قوله في حديث طويل: (( أَفْضَلُ أَعمالِ شيعَتِنا انتظارُ الفَرَج )). كتاب إعلام الورى ج2، ص242.

ونقل الرواة كذلك أخباراً عن إمامنا علي بن محمد الهادي (عليه السلام) في إمامة الإمام الحجة والتبشير بظهوره، فَراجِعْ كتاب كفاية الأثر وكتاب إعلام الورى.

وما رويَّ عن والد الإمام المهدي (عج) الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في كتاب كمال الدين ص357، ص358، في حديث طويل له مع الثقة أحمد بن إسحاق بن أحمد الأشعري، قال في ضمن ما قال عن غيبة الإمام الصاحب (عج):

(( هذا أمرٌ مِنْ أمر الله، وسِرٌّ مِنْ سِرِّ الله، وغيبٌ مِنْ غيبِ الله،

فخذ ما آتيتُكَ واكْتِمهُ وَكُنْ مِنَ الشاكرين تكُنْ معنا غداً في عِلّيّين )).
إذاً فمن التتبع إلى ما بشر به النبي وأوصيائه (عليهم جميعاً سلامُ الله) من الأحاديث والروايات، يتضح لنا حتميّة ظهور الإِمام المُنتظر (أرواحنا لِتُرابِ مقدمهِ الفداء)، وقيامه بالإصلاح الشامل لجميع نواحي الحياة، حتى تملأ الأرض قسطاً وعدلاً بِبَركةِ دولتهِ وحُكمهِ وعدله.
جعلنا اللهُ وإياكم مِنَ الثابتينَ على ولايتِهِ والمتمسكين بِإمامَتِهِ والمُنتظرين لدولته.

والحمدُللهِ رب العالمين ..

وصلى اللهُ على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين ..
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الأربعاء 13 شعبان 1438 هـ.

النجف الأشرف

المهدي المنتظر (عج) وعدُ السماءِ وبشارةُ الأنبياء..

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والحمدُللهِ رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين النبيِّ الأمين محمد بن عبدالله وعلى أهل بيته سفن النجاة الطيبين الطاهرين ..
📚 روى أبو سعيد الخدري قال: سمعتُ رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) يقول على المنبر:

(( إن المهدي مِن عترتي، من أهلِ بيتي، يخرجُ في آخرِ الزمان، تُنزِلُ لهُ السماءُ قطرها، وتُخرِجُ لهُ الأَرضُ بذرها، فيملأُ الأرضَ عدلاً وقِسطاً كما ملأَها القومُ ظُلماً وجَوراً )). الغيبة / الطوسي: ص180.
📌 العقيدةُ التي اختصَ بها الشيعةُ الإِمامية من جِهَةِ أنَّ الإمام الحجة المنتظر (عليه السلام، وعجل اللهُ تعالى فرجَهُ الشريف) هو آخر الأئمة مِنْ ذُرِيةِ الإمامِ الحُسين (عليه السلام)، وأنهُ حيٌ يُرزق، وسوفَ يكونُ خلاصاً للبشرية مِنَ الإِستبدادِ والظُلم، بعدَ أن تمتلأ الدُنيا بالظُلمِ والجور، وليسَ ذلك إلا وعدٌ مِن قِبل اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَعَدَ به المُضطهدين والمظلومين في جميعِ بِقاعِ الأرضِ.

فَفي الروايةِ الشريفة أنَّ الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) قرأ الآية الكريمة قول الله تعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) سورة النور، آية 55.، فقال (عليه السلام): (( واللهِ هُم مُحبونا أهل البيت، يفعلُ الله ذلك بهم على يدِ رجلٍ منا، وهو مهديُّ هذه الأُمةِ.، قال رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم): لو لم يبقَ منَ الدُنيا إلا يومٌ لطوَّلَ اللهُ ذلك اليوم حتى يأتي رجلٌ من عترتي، اسمُهُ اِسمي، يملأُ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلئتْ ظلماً وجوراً )). ينابيع المودة ج3، ص245. / مجمع البيان ج7، ص267.
فالخلاصُ وَنِهايَةُ الظُلمِ والجورِ يكونُ بظهورِ هذا المُصلحِ العظيمِ (عجل اللهُ تعالى فرجه الشريف).
وهذهِ العقيدةُ ليست وليدةَ الإِسلامِ بل كانت الأديانُ السابِقة تُؤمِنُ بوجود مُخلِصٍ يكونُ الإِصلاحُ على يديه، والكُلُ يتطلعُ إلى ذلك اليومِ بِسَبَبِ انتشارِ الظُلم والفساد، ولا تُوجدُ قدرةٌ لدفعِ ذلك الظُلم، والناسُ في عَجزٍ أمامَ هذا الظُلم والإِضطهادِ ولا يوجدُ لديهم إلا هذا الأمل الموعود لِخَلاصِ البَشرية.
📌 وإذا نظرنا إلى الأهدافِ التي بُعِثَ مِنْ أَجلِها الأنبياءُ، والغاية مِن بعثهم، نجدُ أنَّ الهدفَ الرئِيس والأول هو إتمامُ الشُروطِ التي يلزم توفرها لرُشدِ البَشَرِ وَتَكَامُلهمُ الواعي، والذي يَتمُ مِنْ خِلالِ إِبلاغِ الوحي الإلهي للناس، وجعلَهُ بِمُتَناولِ أيديهم، حتى يهتدوا ويعملوا على وفق القوانين السَماوِية وَتُكتَبُ لهمُ السعادةُ في الدُنيا والآخِرة، وهذا هدفٌ إلهيٌ في قوله تعالى: ( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) سورة المائدة، آية 16.
وهُناكَ هدفٌ وغايةٌ أرادَ أنْ يصلَ لها الأنبياءُ (عليهم السلام) وهي تشكيل “المجتمع المثالي” القائِم على أساسِ عبادَةِ الله والقِيم والتعاليم الإلهية ونشر العدل والقسط في جميعِِ أرجاءِ المعمورة، وأن يوجد تطبيقٌ لحُكمِ اللهِ سُبحانهُ ولا يُوجدُ حُكمٌ لغير حُكم الله عزَّ وجلَّ،

وقد سعى كلٌ مِنَ الأنبياءِ بِحَسَبِ وسعِهِ في هذا السبيل، وقد تمكن بعضُهم من إِقامةِ دولةٍ إلهيةٍ في منطقةٍ أو مرحلةٍ زَمَنِيةٍ مُعينة، ولكن لم تتوفر لأيٍّ منهم الظروف والشروط المُناسِبة لِإِقامَةِ الحكومة العالمية.

ولكن لم تكن الظروف مُآتيةً لكي تَتَحَقق هذه الغاية والأُمنية للأَنبياء ليرو العدل منتشراً بين الناسِ جميعاً، فلا يكون ظلم ولا استحوادٌ على الخيراتِ لجهةٍ دون جِهةٍ أُخرى، فتَتَحقق بذلك “الدولة الفاضلة”.
والمُلاحظ أنَّ عدم توفر مثل هذه الظروف والشروط المناسِبة لا يعني أنَّ الأنبياء (عليهم السلام) لم يبذلوا جهدهم ولم يسعوا في تحقيق هذهِ الغاية أو النقص في إِرادتهم وقيادتهم، بل بذلَّ الأنبياءُ كلَّ غالٍ ونفيسٍ مِنْ أجلِ الحقِ والعدلِ، ولكنَّ الناس لم يأخذوا بالنُظُمِ والقوانين بل اعرضوا عما جاءَ بهِ الأنبياءُ (عليهم السلام).
وكذلك أيضاً إنَّ الهدف الإلهي هو توفير الأجواء والظروف التي تتناسب مع حركةِ البشر الإِختيارية، قوله تبارك وتعالى: ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) سورة النساء، آية 165.

لا إِلزام الناس وقهرهم على اعتناق الدين الحق واتباع القادة الإلهيين وقد تحقق هذا الهدف.
ولكن الله سُبحانهُ وَعَدَ بِإِقامَةِ الحكومة الإلهية على الأرضِ كلها، والوعدُ الذي جاءَ بهِ الأنبياء (عليهم السلام) بأنَّ الله عزَّ وجلَّ سوف يستخلف المؤمنين وسوفَ ينصرهم، وهذا نوعٌ مِنَ الإِنباءِ عنِ الغيبِ بالنسبةِ لتوفر الأجواء المناسبة لتقبل الدين الحق ونشر العدل والقسط، ويمكن اعتبار هذه الغاية والهدف والوعد هو الهدف النهائي لِبعثةِ النبي الخاتم محمد بن عبدالله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) ودينه الخالد الذي قال عنهُ الجليل جلََ وعلا: ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) سورة التوبة آية 33، سورة الفتح آية 28، سورة الصف آية 9.
وبما أننا نؤمنُ وَنَعتقدُ بأنَّ الإمامةَ هيَّ اِمتدادٌ للنبوةِ ومُتَمِمَةٌ لها، فنتوصل إلى أن هذا الهدف والغاية والوعد الإلهي سَيتَحَقَقُ على يدِ الإمامِ الحُجةِ بن الحسن (عجل اللهُ تعالى فرجه الشريف).
والأدلة على ذلك كثيرة، منها:
# القرآن الكريم:
1. قول الله تعالى: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) سورة الأنبياء، آية 105.

فهذه العقيدةُ وهذا الوعدُ ليس في القرآن الكريم فقط، بل ذكرها في الزبور وغيره من الكتب السماوية الأخرى، كما بشرت بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله) الذي تكون النبوة ختامها على يديه، كذلك بشرت بالعدل الذي سيملئ الأرض.
2. قول الله تعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ) سورة النور، آية 55.
في الرواية عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (( نزلت في القائم المهدي )).

ينابيع المودة ج3، ص245.
# الروايات الشريفة:

إنَّ الروايات التي نقلها الشيعة والسُنة عن النبي (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) حولَ الإمام المهدي (عليه السلام) تبلغ حد التواتر، بل إنَّ الروايات التي نقلها أهل السُنة وحدهم تبلغ حد التواتر بإعتراف جماعةٍ من علمائهم، مثل ابن حجر في الصواعق المحرقة ص99.، ونور الأبصار للشبلنجي ص155.، وغيرهم.
ومن تلك الروايات:
1. عن رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم):

(( لو لَمْ يبقَ مِنَ الدَهرِ إلا يوم لبعثَ اللهُ رجلاً مِنْ أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً )).

صحيح الترمذي ج2، ص46. / مسند ابن حنبل ج1، ص378.
2. عن أم سلمة أنَّ رسول اللهِ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) قال: (( المهدي مِن عترتي ومِن وُلدِ فاطمة )).

اسعاف الراغبين ص134.، نقلاً عن صحيح مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجة.
3. عن ابن عباس قال: قال رسولُ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم): (( إنَّ علياً إمامُ أُمتي مِن بعدي ومِن وُلدِهِ القائمُ المنتظر الذي إذا ظهر يملأُ الأرضَ عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً )). ينابيع المودة ص 494.
اللهم عجل فرجهُ وسهل مخرجه واجعلنا مِن أنصارِهِ وأعوانه، والمسارعين إلى خدمته، والمستشهدين بين يديه ..
والحمدُللهِ ربِّ العالمين ..

وصلى اللهُ على محمدٍ وآلهِ الطيبين الطاهرين ..
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الإثنين 11 شعبان 1438 هـ.

النجف الأشرف

الأدلة على إمامة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)..

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين النبي الأمين محمد بن عبدالله وعلى أهل بيته سفن النجاة الطيبين الطاهرين ..
مع اقترابِ ذكرى ولادةِ المنقذ والمخلص المولى صاحب العصرِ والزمان (عجل اللهُ تعالى فرجهُ الشريف) في النصفِ من شهرِ شعبان المبارك،
أتقدم بأزكى التهاني والتبريكات لمقامِ رسول اللهِ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) وإلى أهل بيتهِ (عليهم السلام) بهذه الذكرى العطرة المباركة.

.. .. ..
📚 رويَّ في الحديث عن رسول اللهِ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم):

(( مَنْ مات ولم يعرف إمام زمانهِ مات ميتةً جاهلية )).

ينابيع المودة ج:3 ص:372. طبقات الحنفية ص:457.
🖊 إنَّ “الإِمامة” عند الشيعةِ الإمامية أصلٌ مِن أصولِ الدين، ولا يتمُ الإيمان إلا بالإعتقاد بها، وأنها كالنبوة، فكلُ الأدلة التي دلَّت على وجوبِ النبوة دلَّت على وجوبِ الإمامـة، فالإمامَةُ قائمةٌ مقامَ النبوة إلا في تلقي الوحي الإلهي بلا واسطة، وكما أن النبوة واجبةٌ على الله في الحكمة، فكذلك الإمامة.
لذلك قال الشيعة الإمامية بأن وجوب نصب الإمام بالنص أو التعيين مِنَ الله سبحانه وتعالى، لأن الإمامة عندنا هي امتدادٌ لوظيفة النبوة روحياً وسياسياً، فكما أنَّ النبي يعين من قِبل الله عز وجل كذلك الإمام.

والدليل على ذلك في قول الله سبحانه: ( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ). سورة البقرة، آية 124.

فالآية الشريفةُ صريحةٌ في أن الإمامة لا تكون لأحدٍ إلا بجعلِ الله تعالى.

والإمامةُ عهدُ الله، أي مسؤولية إلهية مهمة، فلا تناط إلا لمن لديه أهلية القيام بها، وهي أن يكون غير ظالم لنفسهِ أو لغيرِهِ، وهذا لا يتحقق إلا إذا كان الإمام معصوماً، لأنَّ العصمة ملكةٌ ثابتةٌ ودائمة.

والإمامة هي لحفظ قوانين الشرع الحنيف.
📌 إذاً فالإمامة كالنبوة لا تكون إلا بالنصِ من الله سبحانه وتعالى على لِسانِ رسُولِهِ، أو لسان الإمام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الإمام مِن بعدِهِ.
فقد نصّ النبي محمد (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) على خليفته والإمام من بعده على البرية، وأخذَ له البيعةَ بإمرة المؤمنين في يوم الغدير: (( ألا مَن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه )). المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج3، ص109، 110.

ثم نصّ عليٌّ (عليه السلام) على إمامة الإمام الحسن (عليه السلام)، ثم الإمام الحسن (ع) نصّ على إمامة الإمام الحسين (عليه السلام) وهكذا إمامٌ بعد إمام، ينص المتقدم منهم على المتأخر، إلى آخرهم وهو أخيرهم إمامُ الزمان الحجة بن الحسن (عليه السلام) الذي نصَّ عليه أبوه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
والأدلة في النصّ على إمامة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجهُ الشريف) عديدة، ومنها النصوص الخاصة:
– في الرواية عن كلٍّ من معاوية بن حكيم، ومحمد بن أيوب، ومحمد بن عثمان، قالوا: ( عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي “عليهما السلام” ولدَهُ، ونحن في منزلهِ، وكُنا أربعين رجلاً، فقال (عليه السلام): هذا إمامكم مِنْ بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوهُ ولا تتفرقوا من بعدي في اديانكم فتهلكوا، أما أنكم لا ترونهُ بعد يومكم هذا ). ينابيع المودة: ج3، ص323. / كمال الدين: ص44.
وقد أكدت رواياتٌ كثيرةٌ على النص على إمامته وأنه الإمام الثاني عشر من خلفاءِ رسولِ الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم)، ومن بين تلك الأخبار التي نص فيها الإمام العسكري (عليه السلام) على إمامة ولده الإمام المنتظر (عجل الله فرجه):
– ما رواه الثقة الجليل محمد بن عثمان العمري، عن أبيه، قال: سُئل الإمامُ أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) وأنا عنده عن الخبر الذي رويَّ عن آبائه (عليهمُ السلام): (( إنَّ الأرض لا تخلو من حجةٍ للهِ على خلقه إلى يومِ القيامَةِ، وإنَّ مَنْ ماتَ ولم يعرف إمامَ زمانِهِ مات ميتةً جاهلية )).

وأكد الإمام على صحة الحديث، قائِلاً: ( إنَّ هذا حق، كما أنَّ النهار حق ).

وسارع شخص في مجلس الإمام قائلاً: يا بن رسول الله، فمن الحجةُ والإمامُ بعدك ؟

فدلّهُ الإِمامُ على حجةِ الله بعده قائلاً: ( ابني محمد هو الإمامُ والحجة بعدي، مَنْ مات ولم يعرفهُ مات ميتةً جاهلية، أما إنَّ لهُ غيبةٌ يُحارُ فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويُكذب فيها الوقاتون، ثم يخرجُ فكأني أنظرُ إلى الأعلامِ البيض تخفقُ فوقَ رأسِهِ بنجفِ كُوفان ).

كفاية الأثر: ص292.
والأدلة العامة التي يستدلُ بها على إمامة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هي الروايات الكثيرة التي رويت عن النبي محمد (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم ) في مصادر التراث الإسلامي التي حملت بين طياتها الأحاديث المستفيضة والصحيحة التي حصرت عدد الأئمة المنصوص عليهم اثنا عشرَ إماماً.

ومنها:

– عن النبي (صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلم): ( بعدي إثنا عشرَ خليفة ). ينابيع المودة لذوي القربى، الطبعة الأولى، ١٤١٦هـ، المجلد 3، الباب ( 77 ).
📌 فَمِنْ مقتضى ما مرَّ من أدلةِ لزومِ الإمامةِ والعِصمة هو عدمُ خلو كل عصر وزمان عن وجودِ الإمام المعصوم ( إن الأرض لا تخلو من حجة ) قامَ بالسيفِ أو لم يقم، ظهر أو لم يظهر.

📌 وعليهِ فنحنُ الشيعة الإِمامية نعتقدُ بوجود الإمامِ المعصومِ الحي في كل زمان.
🖊 وإن مقتضى الأخبار المتواترة أن الأئمة (عليهم السلام) هُم ( إثنا عَشَرَ )، لا أقل ولا أكثر، وإن فكرة وجود الإمام في كل عصر وزمان ليست فكرةً جديدةً، بل هيَّ أمرٌ لهُ سابقةٌ مِن لدن البشر، لما نعلم من البراهين التامة على لزوم الإرتباط بين الخلق وخالقهِ بالنبوة أو الإمامـة.

فالإعتقاد بالإمامة كانَّ مبتنياً على أساس برهاني قويم، والأدلة ثابتةٌ بالتواتر من الأخبار.
والحمدلله رب العالمين ..

وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين ..
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الأحد 10 شعبان 1438هـ.

النجف الأشرف

مشروعية زيارة قبور أهل البيت (ع) والتبرك بهم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

روي عَنْ الإِمام محمدٍ بن عليٍ بن الحُسينِ (عليهم السلام) قال:

قال رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم):

(( مَنْ زارني أو زارَ أحداً من ذريتي زرتُهُ يومَ القِيَامةِ، فأنقذتُهُ من أهوالها )).

كامل الزيارات – للشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي (قدس سره) المتوفي (368 هـ)، تحقيق الشيخ جواد القيومي، الباب (1)، حديث (4)، ص41.
لقد اِمتازت الشيعةُ الإِمامِيَةُ بالإِهتمامِ والعناية بأمرينِ تجاهَ النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيتهِ (عليهم السلام)، وهما: زيارة قبرِ النبيِّ (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ) وقبور أهل بيتهِ (سلامُ اللهِ عليهم)، والتبرُكُ بآثارِهِم (عليهم السلام).
ويُضَحِي الشِيعةُ بِكُلِّ غالٍ ونَفِيسٍ عن إِيمانٍ ويقينٍ راسِخ، ويرخصُ كلُ شيء عندَهُمُ مِنْ أجلِ نبيِّ الهُدى وأهلِ بيتهِ (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين)، ومن أجلِ التبرُكِ بهم وبِزيارةِ مَراقدهم.
وقَدْ أدبَ أهلُ البيتِ (عليهم السلام) شِيعتهم وحثوهم بالرِواياتِ المستفيضةِ عندنا عنهم على الزيارة، وعلموهُم كيفِيَةَ الزِيارة وآدابها، وترغيبهم فيما لها مِنَ الثوابِ الجزيلِ عند الله عزَّ وجلَّ.
حتى اِتُهِمَ الشيعةُ بالشِركِ لِزيارتهم لقبر النبي (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ) وقبور أهلِ بيتِهِ (عليهم السلام)، والتوسُل بِهِم، والتبرُكِ بآثارهم.
وملخص الإتهام هو: إن اللهَ تبارك وتعالى هو النافِعُ والضار، ولا يجوزُ للمسلم التوسلُ بغيرِهِ تعالى، فما هيَّ المنفعةُ التي تُرجى من التبرك بأهلِ البيتِ والتوسل بهم وزيارة قبورهم ؟!
ومعَ التَأَمُلِ في هذا الإِتهام المُوَجَهِ إلى الشيعة نَجِدُ هذا الإتهام لا يرقى إلى الحقيقة أبداً، وما عَمِلَ الشيعةُ هذا بِدُونِ دليلٍ، بل يبتنون على قواعد وأدِلَة ثابتَةٍ عندَ المُسلمين، ولقد كانت سيرة المسلمين بأجمعهم على التبرك بآثارِ النبيِّ (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ) وأهل بيته (عليهم السلام) وزيارة قبورِهِم والتوسل بِهِم إلى الله تبارك وتعالى، وقد ذُكرت روايات عديدة في كُتُبِ أكابِرِ علماءِ العامةِ، تدل على زيارة القبور، وتدل على التبرك بآثار النبي (صلى الله عليه وآله).
ومِنْ تِلك الروايات:-
1 – عن عبد الله بن أبي مليكة: ( أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم: ثم أمر بزيارتها). وفي رواية عنها ( أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – رخص في زيارة القبور ). أخرجه الحاكم (1/ 376) وعنه البيهقي (4/ 78) من طريق بسطام بن مسلم عن أبي التياح يزيد بن حميد عن عبد الله بن أبي مليكة، والرواية الاخرى لابن ماجه (1/ 475).

قال البوصيري في (الزوائد) (988/ 1): (إسناده صحيح رجاله ثقات). وقال الحافظ العراقي في (تخريج الإحياء) (4/ 418): (رواه ابن أبي الدنيا في (القبور) والحاكم بإسناد جيد).
٢. روى الترمذي بسنده عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الآخرة ).

سنن الترمذي، كتاب الجنائز عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، باب ما جاء في الرخصة في زيارة القبور: 1054.
3. روى مسلم بسنده عن انس قال: (( رأيتُ رسول الله (صلى الله ُعليهِ وآلِهِ) والحلاق يحلقه وقد طاف بهِ أصحابه ما يريدون أن تقعَ شعرة إلا في يدِ رجل )).

صحيح مسلم بشرح النووي: 15: 83.
4. روى البخاري بسنده عن أبي جحيفة قال: (( أتيتُ النبي (صلى اللهُ عليهِ وآله) وهو في قبة حمراء من أدم ورأيتُ بلالاً أخذ وضوء النبي (صلى اللهُ عليهِ وآله) والناس يتبادرون الوضوء فمن صاب شيئاً تمسَّحَ به ومَن لم يُصِبْ منهُ شيئاً أخذ مِن بَلَلِ يدِ صاحِبِهِ )).

صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب القبة الحمراء ح5859، أخرجه مسلم 503.
5. روى البخاري في صحيحه بسنده عن موسى بن عقبة قال: رأيت سالم بن عبدالله يتحرَّى أماكن من الطريق فيصلِّي فيها ويحدث أنَّ أباه كان يصلِّي فيها، وأنه رأى النبي (صلى اللهُ عليهِ وآله) يصلِّي في تلك الأمكنة. وسألت سالماً فلا أعلمه إلا وافق نافعاً في الأمكنة إلا أنهما اختلفا في مسجد بشرف الروحاء.

صحيح البخاري: 1 / 130، الإصابة لابن حجر: 2 / 349. ترجمة عبدالله بن عمر.

قال ابن حجر في كتابه فتح الباري في مقام شرحه للحديث: (( عُرِفَّ مِن صنيعِ ابن عمر استحباب تتبع آثار النبي (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ) والتبرُك بها )).

فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 1: 469.
فهذهِ بعض من الروايات، وإلا فالرِوايات بهذا الخصوصِ كثيرةٌ، تدُلُ على مشروعية زيارةِ القبور وأنها أمرٌ من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتدلُ كذلك على أنَّ الصحابة والمسلمين في زَمَنِ حياةِ النبي وبعد حياته كانوا يتبركون بآثارِهِ (صلى الله عليه وآله)، وقد شَهِدَ بها علماءُ العامةِ في كتبهم.
وبلا شكٍ ولا ريب بأنَّ أهل بيتِ النبي (صلى الله عليه وآله) هُم أعظمُ آثارِهِ وهُم قُربى رسولِ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلم)، فإِن جازَ واستُحِبَ التبرُكُ بشعرهِ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ)، أو بماءِ وضوءٍ توضأَ بِهِ، أو بِمَوقعِ صلاةٍ صلى فيه، أو دفن فيه، فإن التبرُكَ بأهلِ بيتهم (عليهم السلام) مِن بابٍ أولى أن يتبرَكَ بهم، وهُمُ الذين مَدَحَهُمُ الله سبحانهُ وتعالى في كِتابِه المجيد فقال: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) سورة الأحزاب، آية 33.، وقال تعالى: ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) سورة الشورى، آية 23.

وهمُ الذين قال فيهم رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ): (( إن مثلهم في هذهِ الأُمةِ كسَفِينَةِ نوحٍ مَنْ رَكِبها نجـا ومن تخلفَ عنهُم غَرِقَ وهوى )).

دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي (363هـ.): 1: 28: 80.، الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي (974هـ.): 152.، عيون أخبار الرضا (381هـ): 1: 30.

وقد رُوِيَّ عنهُ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ):

(( النجومُ أمانٌ لأهل السماءِ، وأهل بيتي أمانٌ لأُمتي )).

عيون أخبار الرضا: 1: 30، باب فيما جاء عن الرضا من الأخبار المجموعة، ح14.
فأهلُ البيتِ (عليهمُ السلام) هم وصيةُ النبيِّ (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلم)، في أن نقتدي بهم ونعظمهم، فإنَّ التبرُكَ بآثارِهِم وزِيارَةِ قبورهم ليست شركاً.

وإن اِعتبرها أحدٌ انها شرك، فمن باب أولى أن يكون التبركُ بِآثار الرسول (صلى الله عليه وآله) شرك كذلك، وإن لم يكن التبرُك بآثار الرسول شركاً فكذلك التبرُكُ بآثار أهلِ بيتهِ ليس من الشِركِ في شيء.
هذا بالإِضافةِ إلى أمرٍ آخر:
إنَّ جَعْلَ أيِّ شيء طريقاً للنفع ودفعِ الضررِ بإعتِقادِ اِسْتِقلاليتهِ عن اللهِ عزَّ وجلَّ فهو يكون شركاً.

أما لو كانَّ الإِعتقادُ بأنهُ طريقٌ لِتَحصِيلِ النفعِ أو لِدَفْعِ الضررِ مع الأخذِ بعينِ الإِعتبار أن الذي ينفع والذي يدفع الضرر حقيقةً هو اللهُ تباركَ وتعالى فذلك ليسَ مِنَ الشركِ.
وأبسطُ مِثال واضح: إنَّ الإِنسانَّ إِذا مَرِضَ يَذْهَبُ إلى الطبيب لتحصيلِ النفعِ وَلِدَفعِ أَضرارِ المَرَضِ الذي نزل بهِ، فهذا توسلٌ مِنَ المريضِ بالطَبِيبِ المعالج، فهذا ليسَ مِنَ الشرك، لأنَّ المريض لا يعتقد بأن علاج الطبيب هو الشافي والمعافي من المرض.
كذلك التوسلُ بأهل البيت (عليهم السلام) لتحصيل الخير والبركة ليس شركاً، لأننا ما توسلنا بهم إِلا من اِعتقادٍ ثابتٍ بأنَّ اللهَ سُبحانهُ وتعالى جعل آثارهم وقبورهم طريقاً لتحصيل البركة.

فتحصيلُ الخير والبركة في آثارهم (عليهم السلام) هيَّ مِن اللهِ وحده.
والأدلة القرآنية في هذا واضحة، كانَّ النبيُ عيسى بن مريم (على نبينا وآله وعليهِ أفضل الصلاة والسلام) يبرئ الأكمه والأبرص ويُحيي الموتى، قول الله تعالى:

( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ ) سورة المائدة، آية 110.
فالأدلة على مشروعية التوسل وزيارة القبور كثيرةٌ في الكُتُبِ، واضحةٌ كالشمس الساطعة لا تُغطى بالغربال، قول الله تعالى: ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) سورة المائِدة، آية 35.
فمن أجلى مصاديق الوسيلة إلى الله (سبحانه وتعالى) هو رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ) وأهل بيتهِ (عليهمُ السلام)، ففي كتاب تفسير البرهان للعلامة المحدث السيد هاشم البحراني (قدس سره الشريف)، في الجزء الثاني، الصفحة 449، حول الآية الشريفة، نقل عن تفسير القمي: علي بن إبراهيم قال: ( تقربوا إليه بالإمام ). ونقل كذلك عن ابن شهر آشوب قال: قال أميرُ المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ): ( أنا وسيلَتُه ).

وجاء في كتاب ( وفاء الوفاء ) لمؤلفه العالم السنّي المشهور ( السمهودي ) إن طلب العون والشفاعة من النّبي (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ) أو التوسل إلى الله بجاهِ النّبي وشخصه جائز قبل أن يولد (صلى اللهُ عليهِ وآله) وبعد ولادته ووفاته وفي عالم البرزخ وفي يوم القيامة، ثم ينقل السمهودي في هذا المجال عن عمر بن الخطاب الرواية المعروفة التي تتحدث عن توسل آدم (عليه السلام) إلى الله بنبي الإسلام محمد (صلى اللهُ عليه وآلهِ) وذلك لعلم آدم بأن هذا النبي سيإتي إلى الوجود في المستقبل، ولعلمه بالمنزلة العظيمة التي يحظى بها عند الله، فيقول آدم: ( ربّ إنّي أسألك بحق محمد لما غفرت لي ). وفاء الوفاء، ج3، ص1371.
وقد ذُكرَّ في التاريخ عن توسل أكابر علماء العامة بقبور المعصومين (عليهم السلام)، وهنا أذكر شاهداً واحداً – وإلا فالشواهد عديدة – لأحد علماء العامة الذي كانَّ يتوسلُ بقبرِ إِمامنا وسيدنا باب الحوائج الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام).

ما أخرجهُ الخطيب البغدادي بإسناده عن أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي قال: سمعت الحسن بن إِبراهيم أبا علي الخلال شيخ الحنابلة في عصره يقول: (( ما أهمني أمرٌ فقصدتُ قبر موسى بن جعفر فتوسلتُ بهِ إلا سهلَّ اللهُ تعالى ليَّ ما أُحب )). تاريخ بغداد: 1 / 120.
فما قدمناه في هذا المقال يؤكد على أن الشيعة الإمامية قد استندوا إلى أدلةٍ ثابتة يعترف بها المسلمون في زيارة القبور والتبرك بآثار الرسول (صلى الله عليه وآله) وآثار أهل بيته (عليهم السلام)، وإنها ليست من الشرك بل هي ذات غاياتٍ عظيمة وأعظم غاية فيها التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بأشرف خلقه الذين شرفهم وكرمهم.

ثبتنا الله وإياكم على محبتهم.
والحمدلله رب العالمين وصلى اللهُ على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الخميس ٢٩ رجب ١٤٣٨هـ.

النجف الأشرف

مِنْ بركاتِ زيارَةِ أميرالمؤمنين (عليه السلام)..

بسم الله الرحمن الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والحمدلله ربِّ العالمين، وصلى اللهُ على خيرِ خلقِهِ محمدٍ وعلى أهلِ بيته الطيبين الطاهرين..
رويَّ عن الصادقِ جعفر بن محمد (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، عن رسولِ الله (صلى الله عليهِ وآله) قال:(( مَنْ زارَ عليّاً بعد وفاتِهِ فلهُ الجنّة )).

المقنعة: 461، وعنه الوسائل: 14/ 379، ح10.
مِنْ مصاديقِ التَقَرُبِ إلى اللهِ (جلَّ جلاله) زيارَةُ المعصومِ (عليه السلام)، فإنَّ زيارةَ المعصوم من أوضح وأجلى مصاديق الإيمان باللهِ تبارك وتعالى، لأننا نؤمن أن المعصوم هو خليفةُ الله سبحانهُ وحجته على خلقِه.

والأدلةُ على مشروعية الزيارة واضحةٌ جداً، ولا شك في هذا، ومع مشروعيتها فإن لها تأثيرٌ نافعٌ على الزائِر، في التقرب إلى الله سبحانه والحصول على ثوابه وجزيل عطاءِه.
ومما وردَّ لنا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعن أهل بيته (عليهم أفضل الصلاة والسلام) وحثونا عليه، هو زيارةُ نفس الرسول وأخوه، وزوج البتول، وسيف الله المسلول، إمام المتقين وقائد الغُرِّ المحجّلين أميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام).

فإن المُتَتَبِعِ للأخبار الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) في فضل زيارته (عليه السلام) يقفُ أمام حقائِق تُبين فَضلَّ عليٍّ ومقامه عند الله تعالى، وعند رسوله (صلى الله عليه وآله).

ومِن تلك الآثار التي يحظى بِها زائرُ أميرِالمؤمنين (عليه السلام)، ما نُقل لنا من لسانِ المعصوم (عليه السلام)، ومنها الأجرُ العظيم الذي يُعطيهِ إياه صاحبُ العطاء الذي لا انقطاع لعطائِه، وغفران الذنوب التي يغفرها الغفورُ الكريم بسبب التقرب له بزيارة وليهِ، والبركات العظيمة التي ذكرها إمامنا الصادِقُ جعفر من آلِ محمدٍ (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين.

فقد روي عن الإِمامِ الصادق (عليهِ السلام) أنهُ قال:

(( مَنْ زارَ أميرالمؤمنين (عليه السلام) عارفاً بحقّه غير مُتجبّر ولا مُتكبّر، كتب الله له أجر مائة ألف شهيد، وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، وبُعث من الآمنين، وهوّن عليه الحساب، واستقبلته الملائكة، فإذا انصرف شيّعَته إلى منزله، فإن مرض عادوه، وإن مات تبعوه بالإستغفار إلى قبره )). امالي الطوسي: 1/ 218.
وهذا العطاءُ الإلهي الذي ذكره الإمام (عليه السلام) مشروطٌ بأمرٍ مهم مِن شرائط الإعتقاد بالإمامة، قوله: ( عارفاً بحقّه ).، الإعترافُ بإمامَتِهِ والإقرارُ بِولايته، فأقل المعرفة أن يُقرَّ الزائرُ بإمامةِ الإمامِ المزور، والتمسُكِ بولايَتِهِ التي فرضها الله سبحانهُ وتَعالى على عِباده.
ومِن هنا نقفُ أمامَ حقيقةٍ نُقِرُ بها في زيارة أميرالمؤمنين (عليهِ أفضل الصلاةِ والسلام)، وهي: أن القصد لِزيارة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هي توجُهُ القصدِ إلى الله جلَّ جلالهُ، لأنَّ المعصوم سبيلٌ إلى اللهِ سبحانهُ والباب إليه، والوفود عليه، وزيارَةُ عليٍّ سعيُ إلى الله تعالى.

ففي مزار الشهيد: ص 29 – 37.، روي عن صفوان أنهُ قال: سألتُ الصادِقَ (عليه السلام) كيف تزور أميرالمؤمنين (عليه السلام)؟

فقال: يا صفوان، إذا أردت ذلك فأغتسل، والبس ثوبين طاهرين، ونل شيئاً من الطّيب – وإن لم تنل أجزاك – فإذا خرجت من منزلك فقُل:

( اللهُمَّ إنِّي خرجتُ مني منزلي أبغي فضلك، وأزور وصيَّ نَبِيِّكَ صلواتك عليهما ..ألخ )

فالزائِرُ لأميرالمؤمنين (عليه السلام) يبتغي فضلَّ الله سبحانه، فزيارةُ عليٍّ سببٌ مِن أسباب الحصول على فضلِ الله تعالى.

وقال الصادق (عليه السلام): فإذا تراءت لك القبّة الشّريفة فقُل:

( الحمدُللهِ على ما اختَصَّني مِنْ طِيبِ المولد، واستخلصني إكراماً بِهِ مِنْ مُوالاةِ الأبرار، السَّفرة الأطهار، والخِيَرَةِ الأعلام.

اللهُمَّ فَتَقَبَّلْ سَعْيِي إليكَ، وتضرُّعي بين يديك، واغفر ليَ الذُّنوبَ التي لا تخفى عليك، إنَّكَ أنتَ اللهُ المَلِكُ الغَفّارُ ).
هنا يذكرُ الإمامُ الصادِقُ (عليهِ السلام) خصوصيةً يحمُد الزائرُ عليها الله تبارك وتعالى، وهي (طيب المولد) و (الإستخلاص) فهما نتيجةُ (مُولاةِ الأبرار)، فعن أميرالمؤمنين (عليه السلام) في وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لاَبي ذر (رضي الله عنه) قال : « قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أبا ذر، من أحبّنا أهل البيت فليحمد الله على أوّل النعم. قال: يا رسول الله، وما أول النعم؟ قال: طيب الولادة، إنّه لا يحبنا إلاّ من طاب مولده ». معاني الاَخبار | الصدوق : 161 | 1 ، دار المعرفة ـ بيروت .

والخصوصية الثانية قوله (عليه السلام): ( اللهُمَّ فَتَقَبَّلْ سَعْيِي إليكَ ..ألخ ).
فهنا يؤكد الصادِقُ (سلامُ اللهِ عليه) أنَّ زيارة أميرالمؤمنين (عليهِ أفضلُ الصلاةِ والسَلام) هي سعيٌّ إلى الله سبحانه وفي مرضاته، وتضرعٌ إلى الله بزيارةِ الأَمير، فيلتمسُ الزائِر بهذه الزيارة من الله عزَّ وجلَّ غُفران الذنوب.

وكذلك ما ورد في كتاب فرحة الغري لعبدالكريم بن طاووس: 93 – بإسناد متصل إلى صفوان الجمال عن الصادق (عليه السلام)، في زيارةِ أميرِالمُؤمنين (عليه السلام)، التنصيص على كل ذلك، ففي وسط الزيارة قال: ( وأَشهد أنك حبيبُ الله، وأنك بابُ الله الذي يؤتى منهُ، وأنك سبيلُ الله، وأنك عبدُ الله وأخو رسوله (صلى الله عليه وآله)، أتيتك متقرباً إلى الله بزيارتك ).
فهذا المقطعُ فيهِ تعليلٌ وبيانٌ وبرهان على كون زيارة المعصومين اقترابٌ ودُنو وحضورٌ عند الله تعالى، وذلك لكون المعصوم (عليه السلام)، باب الله الذي يؤتى منه، فمن أراد الإتيان إلى الله والوفود على الحَضرة الإلهية، لابُدَّ أن يأتي إلى الباب، كما قال الله تعالى في كتابه المجيد: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}. سورة البقرة، آية 189.

فإن هذا الإعتقاد بأنَّ الأئِمَةَ أبوابٌ إلى السماءِ الإِلهية، هي حقيقةٌ قُرآنية كما قال سبحانه: { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ }. سورة الأعراف، آية 40.

إذاً فالزيارةُ المنصوصة لها غاياتٌ عُظْمَى وعديدة:
1. الغاية العظمى: التوجه إلى الله بزيارة المعصوم، والوفود على الله بوسيلته، فيما روي عن مولانا الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، في زيارة جده أميرالمؤمنين (عليه السلام): ( أنتَ وسيلتي إلى الله وذريعتي ). المزار القديم على ما في المستدرك: 10 / 222 ح1.، وابتغاء مرضاة الله سبحانه، فعن يوسف الكُناسي ومعاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) فيما ذكر في نص زيارة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: ( اللهُمَ إنِّي لُذْتُ بِقَبرِ أخي رسولك اِبتِغَاءَ مرضاتِك، فَانْظُرِ اليومَ إلى تَقَلُّبي في هذا القبر، وبه تكّفني من النار .. ألخ ). المزار الكبير: 293 – 314 (ط: 225 – 238 )، عنه البحار: 100 / 334 ح32.

2. الإقرار بالذنوب بين يَدي المعصوم (عليه السلام)، لأنها بمنزلة الإقرار بها بين يدي الله سبحانه، لأنهُ خليفة الله، والموكَّل من قبله لإقامة الحساب ( وإياب الخلق إليكم، وحسابهم عليكم ).
3. تجديد العهد والميثاق مع المعصوم، بإعتبار أن قبره الشريف باب غيبته، ورحيله إلى البرزخ، وأنه سيخرج منه في الرجعة، ويظهر منه، فتعاهد قبره، انتظارٌ وترقب لظهور ذلك المعصوم، واقامته دولة العدل.

في زيارته: ( السَّلامُ عليك يا صاحِبَ الكَرَّةِ وَالرَّجعة ) وكذلك: ( مُحتِجِبٌ بِذِمَّتِكَ، موقِنٌ بِإِيابك، مُؤمِنٌ برجعتك، مُنتظِرٌ لِأَمرِكَ مُتَرَقِّبٌ لِدَولَتِك ) وكذلك: ( زائِرٌ لَكَ، لائِذٌ بِبابك الذي فيه غِبتَ ومنهُ تظهر ). المزار الكبير: 416 – 435.

مضافاً إلى ذَلِك فإِنَّ التوجه إلى زيارةِ المعصوم (عليه السلام) وقراءة الزيارات المنصوصة مِن المعصوم في حق المعصوم (عليهم جميعاً سلامُ الله)، ومنها ما ورد من المعصومين (عليهم السلام) من نصوص معصومية في حق زيارَةِ إمامِ المتقين علي بن أبي طالب (عليهِ السلام)، فَإِنَّ هذه النصوص هي عبارة عن ” منظومةٍ عقائدية “، ففيها من المطالب العقائدية ما يُقوي عقيدة الإنسان وتَمَسكه بحبلِّ الله (عزَّ وجلَّ) وثباتِهِ على محبَةِ أولياءِ الله وأُمنائِه، ففي النصوص ما يشير إلى (عقيدةِ التوحيد) و (عقيدة النبوة) و (عقيدة الإمامة) و (عقيدة المعاد)، ومفاهيم عقائدية عديدة.
وفي هذهِ الزيارات ما يُبَّينُ مِن مقاماتٍ لأميرالمؤمنين (عليه السلام) وعظمته، والإقرار بِولايتِهِ التي هي من أصول اِعتقاداتنا، وما أعطاهُ الله سبحانه وتعالى لِوليّه (عليهِ السلام)، وما خصَّ اللهُ بِهِ عليّاً، من اِصطفاءٍ، ومِن اختيار، ومن فضلٍ لعليٍّ أعطاهُ اللهُ إياه، ومكانةٍ في الإِسلام جعلها له.
وتبينُ تلك النصوص المعصومية أموراً تختصُ بأميرِالمؤمنين (عليه السلام)، مِـنْ ( ظُلامةِ عليٍّ ) و (صبر عليٍّ) و (عدلِّ عليٍّ) و (حكومة عليٍّ) و (جِهاد عليٍّ) و (عبادةِ عليٍّ) و (مُصيبةِ عليٍّ) “عليه أفضلُ الصلاةِ والسلام”.
وهنا أُشير بِإختصارٍ لبعض الجُمل في زيارات الإمام (عليه السلام) تدعونا للتأمل في ما وصفَّ به أهلُ بيتِ العصمةِ (عليهم السلام) أميرَالمؤمنين (سلامُ اللهِ عليهِ).
1. من الزيارة المروية عن الإمام زين العابدين (عليه السلام)، المعروفة بـ( زيارة أمين الله ):

( السلامُ عليك يا أمينَ الله في أرضه، وحجته على عبادِه، السلام عليك يا أميرالمؤمنين. أشهَدُ أنَّك جاهدت في اللهِ حق جهادِهِ، وعَمِلْتَ بِكِتابِهِ، واتَّبعتَ سنن نبيه (صلى الله عليه وآله) ).

كامل الزيارات: 39، ب 11، ح 1.

الأمينُ من قِبَّلِ الله تعالى في الأرض، والحُجة التي جعلها تعالى على عباده، ويشهدُ الإمامُ لِعليٍّ بِجهاده الذي نصرَّ الدين وأقامَّ الحق، وأن عليّاً عَمِلَ بكتاب الله، فهو مع القرآن والقرآن مع عليٍّ (عليه السلام).

2. من زيارة الإمام الصادق (عليه السلام) لِجدِهِ أميرالمؤمنين (عليه السلام):

( السلامُ عليك يا وَلِيَّ اللهِ، أنتَ أوَّلُ مظلومٍ، وأول مَنْ غُصِبَ حقُّهُ، صبرت واحتسبتَ حتى أتاك اليقين، وأشهدُ أنَّك لقيتَ اللهَ وأنتَ شهيدٌ، عذَّبَ اللهُ قاتِلَكَ بِأَنواعِ العذاب ).

المزار الكبير: 293 – 314 (ط: 225 – 238 )، عنه البحار: 100 / 334 ح32.

هُنا إِلفاتٌ من الصادق (عليه السلام) على مظلومية الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) وما جرى عليه من الظلم والأذى، وغصب الحق، ومع كل هذه الظُلامة كيف قابلها إمام المُتقين؟ ( صبرت واحتسبت )، من أشرف خلائق الإنسان الصبر، وإذا كانَّ الإمامُ هو الصابِر فأي درجات الصبر قد بلغ.!

وهذا ما فصلته وبينتهُ زيارة الإمام الهادي (عليه السلام) الزيارة المخصوصة في يوم الغدير، ماذا جرى على أخي الرسول (صلى الله عليه وآله) وعلى أهل بيته (عليهم السلام)؟، قال:

( والأمرُ الأعجَبُ والخطبُ الأفظَعُ بعدَ جَحدِكَ فضلَكَ، غصبُ الصِّدِّيقة الزَّهراء سيدةِ النساءِ فدك، وردُّ شهادَتِكَ وشهادَةِ السَّيِّدَينِ سُلالتك وعِترةِ أخِيك المصطفى صلوات الله عليكم، وقد أعلى الله تعالى على الاُمَّةِ دَرَجتكم، ورَفَع منزِلتكُم، وأبانَّ فضلكُم .. ألخ ).

المزار الكبير: 357 – 385.

3. زيارة الإمام الصادق (عليه السلام) المروية عن صفوان بن مهران الجمّال قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام): يا صفوان، إذا حدث لك إلى الله حاجة فزره بهذه الزيارة من حيث كان، جاء فيها:

( السلامُ على مولانا أميرِالمؤمنين علي بن أبي طالب، صاحب السَّوابقِ والمناقب والنجدةِ، مبيدِ الكتائب، الشديد البأس، العظيم المِراس، المكين الأساس، ساقي المؤمنين بالكأس مِنْ حوضِ الرَّسول المَكين الأمين. السلامُ على صاحب النُّهى والفضلِ والطَّوائِلِ، والمكرمات والنَّوائل ).

مجموعةٌ من مناقِب أسدِ اللهِ الغالب (عليه السلام) ووصفه بهذه الأوصاف والفضائل والمناقب والمكرمات التي أعطاها اللهُ تعالى إليه.

وهُنا تنبيهٌ:

إن الزيارات المنصوصة من أهل البيت (عليهم السلام) التي نقرأها عندما نزور الإمام المعصوم (عليه السلام) فيها مِنَّ الشواهد والدلائِل الواضحة البينة التي أختُصُوا بها، تدعونا للتأمل في الزيارة، وأن تكون درساً عقائِدياً لنا حين الزيارة، فهي دورة عقائِدية وعِبادية وتربوية مكثفة ومركزة، فعلينا أن نغتنمها ونستفيد منا، للدينِ والدُنيا والآخرة.

فالحمدُللهِ الذي مَنَّ علينا بولايةِ أميرالمؤمنين، ولا حرمنا الله تعالى من زيارته، ورزقنا في الآخرةِ شفاعته.

فثوابُ زيارةِ الأميرِ (عليه السلام) حقا كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( مَنْ زارَ عليّاً بعد وفاتِهِ فلهُ الجنّة ).

رزقنا اللهُ وإياكم جنتهُ بجوارِ أوليائِهِ وحُجَجِه.

والحمدُلله رب العالمين، وصلى اللهُ على محمد وآله الطيبين الطاهرين ..
خادم الآل

الميرزا زهير الخال

الثلاثاء 13 رجب الأصب 1438هـ

ذكرى ولادة أميرالمؤمنين (عليه السلام)

النجف الأشرف

إشكال من القراء

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين
قد مر في المقالت السابقة أن الانتزاع يجب أن يكون من المصاديق الخارجية ليلامس الحقيقة، ويكون مأخوذا منها فعلا بطريق مجرد وواضح .
وقد أشكل بعض القراء الأعزاء بأن الانتزاع لا يختلف بين الأفراد التي تم استقراءها وبين الفرد الواحد، فمبدأ الاستقراء لانتزاع الحقيقة واحد سواءا كان من فرد أو من أفراد متعددة.
فلو دققنا في الأفراد المتعددة لوجدنا عدة أمور:
العدد والتعداد: ان تم الانتزاع من عدد معين تن حصره تحت مسمى متفاوت يصعب انتزاع الجامع بينه نظرا لكون الجمع العددي المميز لا يجمعه إلا تمييز العدد
الاستقراء: الجامع فيه عنوان عام وما يندرج تحته فهو مندرج أصلا تحت الجامع العنواني العام ، ومادام عاما فلا يمكن ملاحظة الخصوصيات من خلاله.
الفردي: انتزاع الحقيقة من الفرد بملاحظة جميع خصوصياته وماهيته يكون أكثر دقة في الوصول للحقيقة، ويمكن ذلك بملاحظة الفرد وجزئياته ومركباته وجهاته لتحديد ءلك والوصول للحدود المقنعة بالحقيقة.

بينما انتزاع العنوان العام والمعنى العام لا يرقى أكثر من كونه ملاحظة الجامع وتحديد عنوان عام، فما كان تحت هذا العنوان متفق عليه فلا كلام، ولكن ماذا في الأفراد المشككين والمتفاوتين الذين يشملهم هذا العنوان من وجه أو لا يمكن إدراك ما يشملهم او لا؟
هكذا اذا حاول اللاأدريون انتزاع مفهوم الرب من استقراءاتهم الخاصة من أفراد جمعوها أصلا من مفهوم ذهني عام جاهز، ثم جاؤوا لينتزعوا منه عنوان الرب مرة أخرى..
فهم قد جمعوا على نحو التعداد قائمة من كل مسمى للرب في عالم الأديان ثم جاؤوا يبحثون عن انتزاع الحقيقة؟!
كيف جمعوا عباد الأصنام الذين اخترعوا ربا من أذهانهم مع الوثنيين الذين اعتقدوا بالظواهر الطبيعية أو مخترعي الأديان من عبدة الحيوانات والإبراهيميين ليجعلوهم في معنى رب واحد؟ بالتعداد ! واعتبروهم مثيليين في استقراء موحد ليحاولوا انتزاع عنوان الرب ؟؟!
ولو أمعنا التأمل والتركيز، سنرى بأن في أفرادهم مجموعة من الممكنات والمفتقرة للعباد لتوجد في الخارج كمصاديق، ولكن الرب الذي أرسل ملائكته ورسله واجب الوجود قائما بذاته، فلذلك وجب أن يدل عل ذاته بذاته، فيسهل انتزاع حقيقة معنى الربوبية بما يدل عليه بذاته وصفاته حتى بالاستدلال البسيط والمباشر..
ومن هذا المنطلق اختلف الانتزاع ومؤداه والتبادر ومؤداه بين كونه من مجموعة أو أفراد، استقراءا أو استنباط، فالباحث عن الحقيقة لا يلقاها في جامع أفراد تتفاوت من جهة وتتباين من جهة، بل يبحثها في الفرد الجوهري المثالي الأسمى المميز الدال على ذاته بذاته..
والحمد لله رب العالمين

عباس العصفور
النجف الأشرف

المثيلي والمثالي 4

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

قد مر في الكلام في طريقة استقراء اللا أدريين لمصاديق الرب بين الأديان المختلفة ، فمع مافيه من طريقة تجميع الأفراد بطريقة المسمى اللفظي عند المتعبدين بما تسالموا على ربوبيته إلا أنهم جميعا أثبتوا نفس الصفات لذلك الرب بغريزتهم الفطرية ومعاييرهم العقلية، فمنهم من عدد الأرباب ومنهم من وحده ومنهم من ثلثه.
بقي أن مفهوم الإله المتفاوت بين الأديان تتحاور الأديان فيه بين بعضها البعض ، فمنهم من ارتكز المفهوم عنده في ذهنه قبل مراجعة الواقع وابتلي بالمخيلة، فصار يتخيل ربا ثم يبحث عن مصاديقه في الخارج فإن لم يجده صنع صنما يشبهه ، ومنهم من اتبع الأنبياء والرسل ووصل للواقع الأمثل بفرد مثالي للمفهوم فانتزع المفهوم من المصاديق الواقعية، وتوجه لربه..وهكذا، يكفي التعرض لهذا المبحث بهذا المقدار هنا ..
وما مر لا ينفي وجود رب واجب الوجود ، ولا يمكن الجمع بين خلافات الأديان بنفي الرب ووجوده، لأن الجامع لا يمتنع عن إثبات وجوده بل يقره _ كما مر _ حسب مقتضى استقرائهم ، حسب مدعى أقوالهم..
في كل الحالات الآنفة هناك مفهوم لواجب الوجود عند العقلاء لا يمكن نفيه ، سواء كان المفهوم انتزاعيا أو حمليا، فالعقل يدرك بفطرته وتوجهاته وتنظيراته لابدية وجود الإله .
بقي أن نسأل اللا أدريين عن مفهوم الرب الذي يبحثونه، مانوع الرب في قضاياهم الذهنية؟ ما هو تصورهم ؟ ما هي الدراسة التي اعتمدوها في إثباته ؟
للباحثين سبل نقضية وإثباتية في الاستدلال، فالنقض عادة طريق سهل يسلكه من لا يملك الحجة، ولكن البحث يجب أن يكون في جانب الإثبات كماهو في جانب النفي، فالتوقف عند النفي بسبب عدم اتحاد الناس على كلمة واحدة بعد استقراء بين المثيليات لا يكفي في نقض ونفي وجود الرب، لأن الموضوع أصلا موحود واقعا وقد يختلف العقلاء _ كل حسب معلوماته _ بين الشيئية حتى التشخيص الفعلي الواقعي أو التأويلي ، فالقضية ليست سالبة بانتفاء الموضوع حسب المدعى لينكروها.
ولإثبات المواضيع بالعلل اللزومية والدلالات لا يلجأ الباحث للاستقراء دائما، فالاستقراء معد للانتزاعيات عادة والتوصل لنتائج نسبية في الاثبات، وهم لجأوا له لنفي وجود الله الذي تعضده الدلالات والعلل والترتبات والزوميات والضرورات، فكيف لهم أن ينفوا ذلك بالاستقراء؟ ثم يقولون لا ندري؟!!

فما اتخذوه من طريق الاستقراء قد أوصلهم لنسبة إثبات كما أوصلهم لرؤى متعددة، فجعل الأديان المختلفة كلها في سمت واحد لتحديد وجود الرب غريب عن طرق البحث العلمي، لأنهم في اختلافهم تعدد الآراء ونسبية الصحة والاشتباه والغفلة عند مجموعات الأديان بين الوثنية والتقليدية والابراهيمية حسب اعتقادهم لا يكفي لنفي وجود الرب والخالق.. بل يثبت وجوده بطريقة يقينية لإجماع الكل على وجوده..

بقي أمر :

إن البحث عن الرب الخالق لايكون بالاستقراء، لأن الاستقراء يكون عادة لمن يتبعون كلام الناس، أي للمقلدين والمتبعين، بينما نبحث عن وجود الخالق والرب في أنفسنا وعقولنا ووجداننا، بعيدا عن أقوال غيرنا واستقراءاتها، فالوصول لوجود الله بسيط وليس معقدا..

والحمد لله رب العالمين

عباس العصفور
النجف الأشرف