بسم الله الرحمن الرحيم
دعاء الليلة الثالثة عشر
يا جبار السماوات والأرضين، ومن له ملكوت السماوات و الأرضين، غفار الذنوب، الغفور الرحيم،السميع العليم، العزيز الحكيم، الصمد الفرد الذي لا شبيه لك، أنت العلي الأعلى العزيز القادر، أنت التواب الرحيم، أسألك أن تصلي على محمد وآله، وأن تغفر لي وترحمني، إنك أنت أرحم الراحمين.
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(يا جبار السماوات والأرضين، ومن له ملكوت السماوات و الأرضين).
قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الحج:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }.
وقال عز ذكره في سورة التغابن:{يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ}.
إن تعامل المؤمن مع الله تعالى معاملة العبد المتيقن أنه عالمٌ بالسر والجهر والغيب والشهادة وأنه عز وجل لا تخفى عليه خافية في السموات والأرض، فيطمئن قلبه في الإجلال والتعظيم له تبارك الله العزيز القدير.
روي ، عن الحسين بن بشار عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال: سألته أيعلم الله الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون أولا يعلم إلا ما يكون؟ فقال عليه السلام: إن الله تعالى هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء قال عز وجل: ” إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ” وقال لأهل النار: ” ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ” فقد علم عز وجل أنه لو ردهم لعادوا لما نهوا عنه، وقال للملائكة لما قالوا: ” أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون ” فلم يزل الله عز وجل علمه سابقا للأشياء، قديما قبل أن يخلقها، فتبارك ربنا وتعالى علوا كبيرا، خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء، كذلك لم يزل ربنا عليما سميعا بصيرا.
المؤمن يحلل عقدة لسانه في أعذب كلام يملأ قلبه يقينا بنسمات التوحيد ومن كلام سيد الموحدين أمير المؤمنين عليه السلام قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ الْأَمُوُرِ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ أَعْلَامُ الظُّهُورِ وَامْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ الْبَصِيرِ فَلَا عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ وَلَا قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلَا شَيْءَ أَعْلَى مِنْهُ وَقَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلَا شَيْءَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلَا اسْتِعْلَاؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَلَا قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِي الْمَكَانِ بِهِ لَمْ يُطْلِعِ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ وَلَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلَامُ الْوُجُودِ عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُهُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ وَالْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً .
وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(غفار الذنوب، الغفور الرحيم،السميع العليم، العزيز الحكيم، الصمد الفرد الذي لا شبيه لك).
إن للذنوب آثار سيئة تنعكس على الإنسان فتكون النتيجة ضرراً ومآسي وشقاء عليه، متحولة إلى سموما مهلكة له، معرضة أياه إلى الأخطار والمهالك، وقد أشار الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز حيث قال في سورة الأنعام: ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾.
وروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال: عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الدّاء، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار؟!.
عند معرفة المؤمن غوائل الذنوب، وأضرارها المادية والروحية الجسمية وفداحتها وسوء آثارها على الإنسان.
روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: إن العبد يسأل اللّه الحاجة، فيكون من شأنه قضاؤها الى أجل قريب أو الى وقت بطيء، فيذنب العبد ذنباً، فيقول اللّه تبارك وتعالى للملك: لا تقضِ حاجته، واحرمه إياها، فانه تعرّض لسخطي، واستوجب الحرمان مني.
ونحن في ظل جائحة ألمت على أهل الأرض حيرت العقول قد تكون لذنوب ارتكبوها فأغضبت العزيز الجبار.
وروي عن الإمام الرضا عليه السلام قال :كلّما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعلمون، أحدث اللّه لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون.
وعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قال: توقوا الذنوب، فما من بلية، ولا نقص رزق، إلا بذنب، حتى الخدش، والكبوة، والمصيبة، قال اللّه عز وجل: وما أصابكم من مصيبة، فبما كسبت أيديكم، ويعفو عن كثير.
وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أنت العلي الأعلى العزيز القادر، أنت التواب الرحيم، أسألك أن تصلي على محمد وآله، وأن تغفر لي وترحمني، إنك أنت أرحم الراحمين).
وعند معرفة غوائل الذنوب، وأضرارها المادية والروحية، والجسمية في فداحتها، وسوء آثارها على الإنسان، يجب البحث والمبادرة إلى تطهير هذه الروح و معالجة النفس من الآثار التي أوجدتها، بيقظة الضمير وشعوره بالأسى والندم على معصية الله ، فتكون بابا لوصوله إلى الإنابة إلى الله عز وجل ، والعزم الصادق على طاعته، لتصفية النفس من الذنوب فتتحقق التوبة.
قال تعالى في محكم كتابه العزيز في الزمر: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ليس شيء أحب الى اللّه من مؤمن تائب، أو مؤمنة تائبة.
وروي عن أبي عبد اللّه أو عن ابي جعفر عليهما السلام قال: “إن آدم قال: يا رب سلّطت عليّ الشيطان وأجريته مجرى الدم مني فاجعل لي شيئاً.
فقال: يا آدم جعلتُ لك أن من همّ من ذريتك بسيئة لم يكتب عليه شيء، فإن عملها كتبت عليه سيئة، ومن همّ منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة، فإن هو عملها كتبت له عشراً.
قال: يا رب زدني.
قال: جعلت لك أن من عمل منهم سيئة ثم استغفرني غفرت له.
قال: يا رب زدني.
قال: جعلت لهم التوبة حتى يبلغ النفس هذه.
قال: يا رب حسبي.
وروي عن محمد بن مسلم قال: قال الباقر عليه السلام: “يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب عنها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما واللّه إنها ليست إلا لأهل الإيمان.
قلت: فإن عاد بعد التوبة والاستغفار في الذنوب؟ وعاد في التوبة؟
فقال عليه السلام: يا محمد بن مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر اللّه تعالى منه ويتوب ثم لا يقبل اللّه توبته؟!!
قلت: فانه فعل ذلك مراراً، يذنب ثم يتوب ويستغفر.
فقال عليه السلام: كلّما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة، عاد اللّه عليه بالمغفرة، وإنّ اللّه غفور رحيم، يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، فإيّاك أن تُقنّط المؤمنين من رحمة اللّه تعالى.
فضائل التوبة ومآثر التائبين، وما حباهم اللّه به من كريم العفو، وجزيل الأجر، وسمو العناية واللطف، في هذا الشهر المبارك فيجتهدون بأعمالهم وقيامهم ليكونوا قد جمعوا خصالا.
يروى عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أعطيت أمتي خمس خصال في شهر رمضان لم يعطهن أمة نبي قبلي. أما واحدة فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله عز وجل إليهم ومن نظر الله إليه لم يعذبه .
والثانية : خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك .
والثالثة : يستغفر لهم الملائكة في كل يوم وليلة .
والرابعة : يقول الله عز وجل لجنته : تزيني واستعدي لعبادي يوشك أن يستريحوا من نصب الدنيا وأذاها ويصيروا إلى دار كرامتي .
والخامسة : إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان غفر الله عز وجل لهم جميعا .
فقال رجل: يارسول الله أهي ليلة القدر؟
قال:لا أما ترون العمال إذا عملوا كيف يؤتون أجورهم ؟!
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.