بسم الله الرحمن الرحيم
[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]
والحمدُلله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتم أنبياءِهِ ورُسُلِهِ محمد بن عبدالله وعلى أهلِ بيتِهِ الهُداةِ الطيبين الطاهرين …
📚 روي عن عبدالله بن عمر أنّ النبيّ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) قال:
(( يَخْرُجُ في آخِر الزَّمانِ رجُلٌ مِنْ وُلْدي، اسمُهُ كإِسْمي، يَمْلَأُ الأَرْضَ عَدْلاً كمَا مُلِئَتْ جَوْراً )).
عقد الدرر: 56، الباب 2، الحديث 42.
إنَّ الباحثَ والمُتَتَبِع للقضية المهدوية، يجدُ أنها أمرٌ ثابِتُ، ومسألةٌ حقة، قدْ ذُكِرت في الأديانِ السماوية،
وقد ذكرها أنبياءُ الله ورسله (عليهم سلامُ الله)، وأنها وعدٌ إلهي لابُدَّ وأنْ يتحقق، وبشارةٌ بَشَرَ الإِسلامُ المُسلمينَ بهـا.
وأن القضية المهدوية لَثابِتةٌ في كتب المذاهب الإسلامية.
وعند تتبعِ القَضِيَةِ المهدوية في روايات المعصومين (عليهم السلام)،
وعلى رأسهم منقذ البَشريةِ من العمى والضلال النبي المصطفى (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم).
فيجدُ الباحِثُ أن النبيَّ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) والأئمة مِن أهلِ البيت (عليهم السلام) قد ركزوا تركيزاً بالغاً في تثبيت فكرة المهدي (عجل اللهُ تعالى فرجهُ الشريف)، وَوُرُود الأحاديث الكثيرة حول العقيدةِ المهدوية والظهور،
ويدل ذلك على أمورٍ ودلائِلَ عديدة:
1. القضية المهدوية وعدٌ إلهي ذُكر في القرآن الكريم وذكرهُ رسولُ الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) في أكثر مِنْ مكانٍ وزَمان، والنبي الخاتم هو الذي قال الله تعالى في حقهِ: ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إنْ هو إلا وَحْيٌ يُوحَى ) سورة النجم آية 3، 4.
2. القضيةُ المهدوية حقيقةٌ لا تقبل الإنكار.
3. القضية المهدوية هيَّ بشارة الخلاص مِنْ الظلم بجميعِ أصنافِه فَبِها يَتَحَقَق العدل والقسط لكلِّ البَشرية.
4. القضيةُ المهدوية مسألةٌ وعقيدةٌ بالغَةُ الأَهمِية.
5. القضيةُ المهدوية لها ثوابِتٌ وضَوابِط قد بينها رسولُ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) وأهلُ بيتِهِ (عليهُمُ السلام)، لكي لا يدعيها مُدَّعٍ كذاب فينخدِعُ الناسُ بِهِ.
وفي هذه المقالة نقفُ على الدورِ الكبير للنبيِّ الأَكرم (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) والأئمة من أهلِ بيت العصمة والطهارة (صلواتُ الله عليهم أجمعين)، في تربيةِ المُسلمين كافة والشيعة الإِمامية خاصة
على العقيدة المهدوية وحقيقتها وأهميتها، وكيفَ تداولها أهل العصمة (عليهم السلام) في أحاديثهم.
فقد أُثِرَتْ عن النبي (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) وعن أوصيائِه الطاهرين (عليهم السلام) كوكبةٌ ومجموعةٌ مِن الأخبار التي تَحمُلُ البشرى إلى كلِّ العالم بِظهور الإمام المُنتظر المهدي (عجل اللهُ تعالى فرجه الشريف)، الذي يبين الحقَ لأهله، ويُقيمُ اعوجاج الحق، ويبسط الأمن والأمان والرخاء، وينقذ البشرية من شرور الظالمين وكيد المعتدين.
ويشيع المودّة بين جميع الناس في كلِّ أرجاء المعمورة، في ظِلال حكمهِ المُبارك.
# المبشرون بالإمام الخلف الحجة المنتظر (عجل اللهُ تعالى فرجه):
1. النبي الأكرم محمد بن عبدالله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم):-
جَمهرَةٌ كبيرة من الأخبار قد أُثِرت عن رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) بظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، نذكر نماذج من تلك الأخبار:-
– روى الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام)، أن رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) قال:
(( المهديُّ مِنْ وُلْدي، يكونُ لهُ غيبَةٌ وحيرة، تُضِلُّ فيه الأُمم، يأتي بذخيرة الأنبياءِ (عليهم السلام) فيملأها عدلاً وقسطاً كما مُلِئَتْ جوراً وظلماً )).
فرائد السمطين ج2، ص335، وروي بصورة موجزة في كتاب ينابيع المودة ج3، ص396.
لقد تكلم الرسول (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) في هذا الحديث الشريف عن غيبةِ الإِمام (عليه السلام)، وأنها تكون مصدر ذهول وحيرة لبعض الأمم، فيؤمن بها قومٌ، ويجحدها آخرون،
والبشارة الكبرى أنَّ المهدي (عجل الله فرجه) إذا ظهر سيأتي بذخائر الأنبياء، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
– روى حذيفة أن النبيَّ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) قال:
(( لَوْ لَمْ يَبْقَ منَ الدُنيا إلا يومٌ واحد لبعثَ اللهُ رجُلاً مِنْ وُلْدي اسمه اسمي، وخَلقُهُ خلقي، يكنى أبا عبدالله، يُبايعُ لَهُ الناسُ بين الركن والمقام، يَردُّ اللهُ بهِ الدين،
ويفتح لهُ فُتوحاً ولا يبقى على وجه الأرض إلا مَنْ يقول: ” لا إله إلا الله “.
فقام سلمان فقال: يا رسولَ اللهِ، مِنْ أي وُلْدِك ؟
فقال: مِن وُلْدِ ابني هذا، وضرب بيده إلى الحسين )).
عقد الدرر: 56، الباب 2، الحديث 41.
وهنا بين النبيُّ الأكرم (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) في هذا الحديث الشريف أموراً مرتبطةً بالمهديِّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وظهوره، وهي:-
1. أنَّ ظهور الإمام الحُجة وخروجه من الأمور الحتمية التي لابد أنْ تتحق في عالم الدنيا.
2. أنَّ الموعود (عجل الله فرجه) يكون مِن وُلدِّ النبي، واسمه اسم رسول الله، وخَلقُهُ خَلق الرسول، وهو مِن وُلد الإمام الحُسين.
3. تحديد مكان البيعة للإمام المهدي، (بين الركن والمقام).
4. في دولة المهدي (عجل الله فرجه) سَيَرفَعُ الجميع كلمة الحق، وهي كلمة ” لا إله إلا الله “.
– روى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) قال:
(( إنَّ علياً وصيّي، ومِنْ وُلْدِهِ المنتظر المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلِئَتْ جوراً وظلماً،
والذي بعثني بالحقِّ بشيراً ونذيراً، إن الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأَعَزَّ من الكبريتِ الأحمر )).
فقام إليه جابر بن عبدالله فقال: يا رسول الله، وللقائمِ مِن ولدك غيبة ؟
قال (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم):
(( اي وربي لَيُّمَحِّصَ اللهُ الذين آمنوا ويمحقَ الكافرين )).
ثم قال: (( يا جابرُ، إنَّ هذا أمرٌ مِن أمرِ الله وسِرٌّ مِن
سِرِّ اللهِ فإِيّاكَ والشك، فإنَّ الشك في أمرِ الله عزَّ وجلَّ كُفْر )).
ينابيع المودة ج3، ص296 + ص297، الحديث 7.
وفي هذا الحديث الشريف ألمح النبي (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) إلى قلة المؤمنين بإمامة صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف)
في حال غيبته، وأنهم قلة نادِرة ” لأعزَّ من الكبريت الأحمر “.
وأن غيبة الإمام الصاحب (عج) هي بمثابة اِمتحان إلهي للعباد، وتمحيص لهم، فلا يؤمِنُ بهِ إلا مَن اِمتحن الله قلبه للإيمان.
ولقد ذكر رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) لجابر (رضيَّ اللهُ عنه) أنَّ غيبةَ الإمامِ المُنتظر هي سِرٌّ مِن سرِّ الله، وحذرَ (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) تحذيراً شديداً مِن مصير الشاكِ فيه أو المنكر لوجوده،
فَمَنْ شكَّ في أمر الله فقد كفر.
2. الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):
– روى الأصبغُ بن نباتة، عن الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنه قال:
(( المهدي منا في آخر الزمان، لم يكن في أمةٍ مِنَ الأمم مهديٌّ يُنْتَظرُ غيره )).
دلائل الإمامة ص479.
هنا يركز الأمير (عليه السلام) على أنَّ المهدي (عج) مِن دوحَةِ النبوةِ والإِمامة، وليس غيره يقوم بالإِصلاح العظيم الذي يسود الدُنيا كلها، والذي ينتظره الناسُ في كلِّ العالم.
3. الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام):
– في حديث طويل للإمام (عليه السلام) حينما صالح معاوية، وقد لامه جماعة من شيعته على صلحه، فقال (عليه السلام):
(( وَيْحَكُمْ، أَلا تَعْلَمون أَنّي إِمامُكُم، مفترضُ الطّاعةِ عليكم، وأحدُ سيّدَي شباب أهل الجنة بنَصٍّ مِنْ رسول الله (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) )).
قالوا: بلى.
قال: (( أما علمتم أنَّ الخضرَ لمّا خَرَقَ السفينةَ، وأقامَ الجِدارَ،
وَقَتَلَ الغُلامَ كان ذلك سَخطاً لموسى بنِ عمران، إِذْ خَفِيَ عليهِ وجْهُ الحِكْمَةِ في ذلك، وكان ذلك عند الله تعالى ذِكْرُهُ حِكمَةً وصواباً.
أما علمتم أنَّهُ ما مِنّا إلا ويقعُ في عُنُقِهِ بيعةٌ لطاغِيةِ زمانِه، إلا القائِمُ الذي يُصلي روحُ اللهِ خلفَهُ،
فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُخفي وِلادتهُ، وَبُغَيِّبُ شخصَهُ لِئَلّا يكونَ في عنقهِ بيعَةٌ إذا خرجَ، ذلك التّاسِعُ مِنْ وُلْدِ أخي الحُسينِ، ابْنُ سيدةِ النِّساءِ،
يُطيلُ اللهُ في عُمْرِهِ، وفي غَيبتِهِ، ثُمَّ يظهرُ بِقدرتهِ في صورةِ شابٍّ
دونَ أربعين سنة، وذلك ليعلم أنَّ الله على كلِّ شيءٍ قديرٌ )).
كمال الدين: 297. / كفاية الأثر: 225.
لما تكلم الإمامُ المُجتبى (عليه السلام) عن الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بين (عليه السلام) أموراً عديدةً، ترتبطُ بصاحب العصر والزمان (عج)، ومنها:-
أ. اخفاء ولادة الإمام المنتظر (عج) حفظاً على حياتهِ مِن حُكم بني العباس، كما حجبه عن أعين الناس لتلك الحكمة ولغيرها.
ب. إنَّ الإمام المهدي (عج) إذا خرج فإنَّ نبيَّ الله عيسى بن مريم يصلي خلفه.
ج. طول عمر وليِّ اللهِ الأعظم (عج)، ثم يظهره الله عزَّ وجلَّ بإِرادته إلى الناس بصورة شاب فيقيم العدل والحق في الأرض.
4. الإمام أبي عبدالله الحُسين (عليه السلام):
– عن الإمام الحسين (عليه السلام) قال:
(( في التاسع مِن وُلْدي سُنَّةٌ مِن يوسُف وسنةٌ مِن موسى، وهو قائمنا أهل البيت، يُصلحُ اللهُ تعالى أمرَهُ في ليلةٍ واحدةٍ )).
كمال الدين، ص297، الحديث 1.
يذكر الإمامُ الحُسين (عليه السلام) أنَّ الإِمام المنتظر (عج) لقد شابَهَ نبيَّ الله يوسف الصديق في سِجنِهِ وحجبِهِ عن الناس، وأنه شابه كذلك نبيَّ الله موسى في خفاءِ حملهِ وَوِلادَتِهِ خوفاً عليهِ مِن فرعون زمانِه.
5. الإمام علي بن الحُسين السجاد (عليهِ السلام):
– عن الإمام زين العابدين (عليه السلام):
(( في القائِم سُنَّةّ مِنْ سبعةِ أنْبِياءٍ:
سُنَّةٌ مِنْ أبينا آدَمَ، وسُنَّةٌ مِنْ نوحٍ، وسُنَّةٌ مُنْ إِبراهيمَ، وسُنَّةٌ مِنْ موسى، وسُنَّةٌ مِنْ عيسى، وسُنَّةٌ مِنْ أيوبَ،
وسُنَّةٌ مِن محمـد (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم).
فَأَمّا مِنْ أدمَ ونوحٍ فَطولُ العُمُرِ، وأما مِنْ إبراهيمَ فَخَفاءُ الوِلادَةِ
واعْتِزالِ الناسِ، وأما مِنْ مُوسى فالخوفُ والغَيبةُ،
وأما مِنْ عِيسى فاختلافُ الناسِ فيه، وأَما مِنْ أَيّوبَ فالفرجُ بَعْدَ البَلوى،
وأَمّا مِنْ محمـد (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم) فالخروجُ بالسيفِ )).
كمال الدين: 352.
وتوجدُ كذلك أخبارٌ وأحاديث عن أئمةِ الهُدى (عليهم السلام) نقلها الرواة، ودونها الحفاظ.
فقد وَرَدَ عن إمامنا الباقر محمد (عليه السلام) في شأن الإمام الخلف (عجل اللهُ تعالى فرجَهُ الشريف) وحتمية ظهوره، كما في كمال الدين ص308، الحديث 11.
وَوَرَدَ كذلك عن إمامنا الصادق (عليه السلام) في شأن الإمام (عج) في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص42.
وعن إمامنا الكاظم (عليه السلام) في كتاب كفاية الأثر ص265، و ص266.
وعن إمامنا الرضا (عليه السلام) وردَ كذلك ما يبين أن الإمام المنتظر (عج) سيكون مصدر إشراقٍ ونور في جميع أنحاء الأرض، في كتاب ينابيع المودّة، ج3، ص297، الحديث 8.
وما نُقلَّ لما عن الرواة من أحاديث الإمام محمد الجواد (عليه السلام) بشأن حفيده الإمام المنتظر (عجل الله فرجه)، فنقل عنهُ (عليه السلام) قوله في حديث طويل: (( أَفْضَلُ أَعمالِ شيعَتِنا انتظارُ الفَرَج )). كتاب إعلام الورى ج2، ص242.
ونقل الرواة كذلك أخباراً عن إمامنا علي بن محمد الهادي (عليه السلام) في إمامة الإمام الحجة والتبشير بظهوره، فَراجِعْ كتاب كفاية الأثر وكتاب إعلام الورى.
وما رويَّ عن والد الإمام المهدي (عج) الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في كتاب كمال الدين ص357، ص358، في حديث طويل له مع الثقة أحمد بن إسحاق بن أحمد الأشعري، قال في ضمن ما قال عن غيبة الإمام الصاحب (عج):
(( هذا أمرٌ مِنْ أمر الله، وسِرٌّ مِنْ سِرِّ الله، وغيبٌ مِنْ غيبِ الله،
فخذ ما آتيتُكَ واكْتِمهُ وَكُنْ مِنَ الشاكرين تكُنْ معنا غداً في عِلّيّين )).
إذاً فمن التتبع إلى ما بشر به النبي وأوصيائه (عليهم جميعاً سلامُ الله) من الأحاديث والروايات، يتضح لنا حتميّة ظهور الإِمام المُنتظر (أرواحنا لِتُرابِ مقدمهِ الفداء)، وقيامه بالإصلاح الشامل لجميع نواحي الحياة، حتى تملأ الأرض قسطاً وعدلاً بِبَركةِ دولتهِ وحُكمهِ وعدله.
جعلنا اللهُ وإياكم مِنَ الثابتينَ على ولايتِهِ والمتمسكين بِإمامَتِهِ والمُنتظرين لدولته.
والحمدُللهِ رب العالمين ..
وصلى اللهُ على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين ..
خادم الآل
الميرزا زهير الخال
الأربعاء 13 شعبان 1438 هـ.
النجف الأشرف