التطبيق الثالث عشر من سورة البقرة

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد
الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

و لازلنا نطبق هيمنة البسملة بشكل متسلسل لآيات سورة البقرة و بعض الأحيان نقوم بتفسير موضوعي وطريقته استقراء آيات الموضوع.
التطبيق الثالث عشر من سورة البقرة ووصلنا إلى آيات رقم 30،31،32،33،34،35،36،37،38.

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36) فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) (1)

وهذه الآيات سبق و أن تكلمنا عن جزئيتها و جهتها. واللافت أن من الجهة نقض العهد و الميثاق و ما أمر به الله وهو فسادٌ دنيويٌ وخسرانٌ في الآخرة و هو أكبر حرب على الله.
وهناك محطات من الرحمة التعلمية و الرحمة الوقائية يخبرنا بها الله عزوجل منها:
الأولى: أن الخلافة التكوينية و السياسية و التشريعية مجعوله منه منذ بدئ الحياة على وجه الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ }
أما المحطة الأخرى: في سيادة الأرض هو العلم، أي ان علة الوجود هو العلم والمعرفة ، {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31)} و أكبر مصداق، و أعلى مصداق للعلم هم أهل بيت النبوة ليس بأسمائهم فقط بل بما وصلوا إليه من ملكات و علوم دنيوية و أخروية، حيث جاء في الزيارة الجامعة لنبينا و أهل بيته (وَمَعدِنَ الرَّحمَةِ وَخُزَّانَ العِلمِ وَمُنتَهى الحِلمِ وَأُصُولَ الكَرَمِ وَقادَةَ الاُمَمِ وَأولياءِ النِّعَمِ).

و من ادلة أن أكبر مصداق و أعلى مصداق هم أهل بيت النبوة:
-تفسير الإمام العسكري: قال: “وعلم آدم الأسماء كلها ” أسماء أنبياء الله، وأسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهما، وأسماء رجال من خيار شيعتهم وعصاة أعدائهم ” ثم عرضهم ” عرض محمدا ” وعليا ” والأئمة ” على الملائكة “أي عرض أشباحهم وهم أنوار في الأظلة ” فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ” (2)

و بالتالي يتعين أن أهل البيت هم أكبر علة للوجود.

المحطة الثالثة: الاعتراف بعدم العلم و التسليم لله عزوجل من قبل الملائكة و الطاعة فهي فضيلة.

ففي الصورة الأولى: فضيلة الاعتراف بعدم العلم {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا
ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)
و جاء في رواية أهل البيت عليهم السلام:

  • عن الإمام علي (عليه السلام): لا يستحيي العالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا علم لي به (3).
  • عنه (عليه السلام): قول ” لا أعلم “، نصف العلم (4).
  • عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن من أجاب في كل ما يسأل عنه لمجنون (5).
  • من وصايا النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر -: يا أبا ذر إذا سئلت عن علم لا تعلمه فقل:
    لا أعلمه تنج من تبعته، ولا تفت بما لا علم لك به تنج من عذاب الله يوم القيامة (6).
    -عن الإمام الباقر (عليه السلام): ما علمتم فقولوا، وما لم تعلموا فقولوا: الله أعلم، إن الرجل لينتزع بالآية من القرآن يخر فيها أبعد من السماء (7)

أما الصورة الثانية: التسليم لله عزوجل ممدوح من قبل الأئمة و القرآن الكريم:

  • عن ابن مسكان عن سدير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إني تركت مواليك مختلفين يتبرء بعضهم من بعض قال: فقال: وما أنت وذاك، إنما كلف الناس ثلاثة: معرفة الأئمة، والتسليم لهم فيما ورد عليهم، والرد إليهم فيما اختلفوا فيه.(8)
  • عبد الله عليه السلام قال قلت له: إن عندنا رجلا يقال له كليب، لا يجيئ عنكم شئ إلا قال: أنا أسلم، فسميناه كليب تسليم، قال: فترحم عليه، ثم قال: أتدرون ما التسليم؟ فسكتنا، فقال: هو والله الاخبات، قول الله عز وجل: ” الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم (9) “.
    -عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى: ” ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا (10) ” قال: الاقتراف التسليم لنا والصدق علينا وألا يكذب علينا.(11)

أما الصورة الثالثة: الطاعة و الانقياد، و هي أيضا ممدوحة من قبل الله تعالى و الرسول صلى عليه وآله و الأئمة عليهم السلام :

  • قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)}(12)
  • عن سليم بن قيس قال سمعت أمير المؤمنين ” ع ” يقول إنما الطاعة لله عز وجل ولرسوله ولولاة الأمر وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون ولا يأمرون بمعصيته.(13)
  • ——————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- البقرة: 30،31،32،33،34،35،36،37،38.

2- بحارالأنوار – العلامة المجلسي – ج ١١ – الصفحة 118

3- 4- 5- 6- 7- ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٢ – الصفحة 1218،1219

9 – 8- الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – الصفحة 391 ،390/هود:25

10- الشورى :22

11 – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – الصفحة 391 ،390

12-النساء: 59

13 -علل الشرائع – الشيخ الصدوق – ج 1 – الصفحة 123

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

الحلقة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
أن الله تعالى يخبرنا في هذه الآية الكريمة عن دعاء المؤمنين الذين جمعوا في الدعاء بين طلب الدنيا والآخرة.
وجمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا، وصرفت كل شر فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية، ودار رحبة، وزوجة حسنة مطيعة، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هين، وثناء جميل، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسرين ولا منافاة بينها، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا.
أما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة، والأمن يوم الفزع الأكبر، والنجاة من النار، وكل ذلك حسب ما كان من عمل الإنسان من اجتناب المحارم والآثام، وترك الشبهات، والتمسك بالحسنة التي تعطيه الخير كله، وهي الولاية لمحمد وآل محمد عليهم السلام.

روي أن النبي صلى الله عليه وآله دخل على مريض فقال: ما شأنك؟ قال: صليت بنا صلاة المغرب فقرأت القارعة، فقلت: ” اللهم إن كان لي عندك ذنب تريد أن تعذبني به في الآخرة فعجل ذلك في الدنيا، فصرت كما ترى، فقال صلى الله عليه وآله: بئسما قلت! ألا قلت: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ” فدعا له حتى أفاق.
وروي عن الامام أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ،فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: رَبَّنٰا آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً .
قَالَ:«رِضْوَانُ اللَّهِ وَ الْجَنَّةُ فِي الْآخِرَةِ،وَ الْمَعَاشُ وَ حُسْنُ الْخُلُقِ فِي الدُّنْيَا».

وروي عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) فقال: ” يا أبا عبد الله ألا أنبئك بالحسنة التي من جاء بها أدخله الله الجنة والسيئة التي من جاءها أكبه الله في النار ولم يقبل معها عملا؟ ” قلت: بلى قال: ” الحسنة حبنا والسيئة بغضنا .

وروي أن هذا الدعاء كان يدعو به النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثيرا كما في أكثر كتب التفسير وكان يدعو به بين الركن اليماني والحجر.
ومن يراجع الأخبار المأثورة في سيرة حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى عليهم السلام وكيفية عبادتهم وبذلهم الجهد فيها، وتضرعهم وبكائهم بين يدي الله ومسكنتهم وخشيتهم وحزنهم أمام ساحة قدس ربَّ العزة، وفي كيفية مناجاتهم بين يدي قاضي الحاجات، لوجدها أوسع من التواتر واكثر عند علماء المسلمين جميعا.
ومن تلك المواقف الشريفة ما روي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند عائشة ليلتها ، فقالت : يا رسول الله ، لم تتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : يا عائشة ، ألا أكون عبدا شكورا ؟ ! قال : وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقوم على أطراف أصابع رجليه ، فأنزل الله سبحانه وتعالى : * ( طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ).

وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : كان علي بن الحسين ( عليهما السلام ) إذا أخذ كتاب علي ( عليه السلام ) فنظر فيه قال : من يطيق هذا ؟ من يطيق ذا ؟ قال : ثم يعمل به ، وكان إذا قام إلى الصلاة تغير لونه حتى يعرف ذلك في وجهه ، وما أطاق أحد عمل علي ( عليه السلام ) من ولده من بعده إلا علي ابن الحسين ( عليهما السلام ).

ونحن في هذه الأيام الفضيلة في شهر كريم يجب علينا الالتزام بما أمرونا صلوات الله عليهم من الإخلاص في الدعاء والاجتهاد بالعبادة وتجنب الآثام والوقوع بالمحرمات ونكون كما أرادونا بما روي عنهم عليهم السلام.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إياك والسفلة، فإنما شيعة علي من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر.

وروي عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ اَلْجُعْفِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يَا جَابِرُ أَ يَكْتَفِي مَنِ اِنْتَحَلَ اَلتَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ فَوَ اَللَّهِ مَا شِيعَتُنَا إِلاَّ مَنِ اِتَّقَى اَللَّهَ وَ أَطَاعَهُ وَ مَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلاَّ بِالتَّوَاضُعِ وَ اَلتَّخَشُّعِ وَ كَثْرَةِ ذِكْرِ اَللَّهِ وَ اَلصَّوْمِ وَ اَلصَّلاَةِ وَ اَلتَّعَهُّدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ اَلْفُقَرَاءِ وَ أَهْلِ اَلْمَسْكَنَةِ وَ اَلْغَارِمِينَ وَ اَلْأَيْتَامِ وَ صِدْقِ اَلْحَدِيثِ وَ تِلاَوَةِ اَلْقُرْآنِ وَ كَفِّ اَلْأَلْسُنِ عَنِ اَلنَّاسِ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ وَ كَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي اَلْأَشْيَاءِ.

  • يحسن بالداعي أن يجمع في دعائه خيري الدنيا والآخرة.

  • ينبغي لكل داعٍ أن يكون جُلَّ دعائه ونصيبه الأكبر في أمورالآخرة، فجاء في هذا الدعاء سؤال أمرين عظيمين من أمور الآخرة : وأمرٍ واحدٍ من أمور الدنيا [‏وَفِي الآخِرَةْ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] .

  • ينبغي للداعي أن يكون من أصحاب الهمم العالية .

  • أن الإنسان لا يذم إذا طلب حسنة الدنيا مع حسنة الآخرة بل مدحه الله في كتابه العزيز .

  • أن كل إنسان محتاج إلى حسنات الدنيا والآخرة.

  • من حُسن الدعاء أن يجمع في مطالبه بين الرغبة : [آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ] ، والرهبة : [ قِنَا عَذَابَ النَّارِ ] حتى يكون العبد بين الخوف والرجاء .

  • أهمية الأدعية في كتاب اللَّه تعالى، ‏فهي كافية وشافية من جميع المطالب التي يتمناها العبد في دينه، ‏ودنياه، وآخرته .

  • فعلى العبد ملازمة هذه الدعوة المباركة تأسيا بنبيه صلى الله عليه وآله.
    وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
  • تضمنت هذه الدعوة جملة من الفوائد منها:

تطبيق آية البسملة

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ


اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

لماذا اختار الله سبحانه و تعالى صفتي الرحمن الرحيم و أقسم بهما دون غيرهما من الصفات? والتي فيها شمول و هيمنة آية البسملة بما فيها من صفتي الرحمن و الرحيم و باقي مفرداتها لما يأتي بعدها من الآيات ؟
و لازلنا نطبق هيمنة البسملة بشكل متسلسل لآيات سورة البقرة و بعض الأحيان نقوم بتفسير موضوعي وطريقته استقراء آيات الموضوع.

التطبيق الثاني عشر من سورة البقرة ووصلنا إلى آية رقم 28 و آية رقم 29.

تطبيق آية البسملة بما فيها من صفتي الرحمن و الرحيم أي الرحمة بهذا التذكير في كبرى بأن الله خالق كل شيء و بيده موت العاصي و الفاسق الذي يتجرأ ويتجاوز أحكام رب العزة و الجلالة، و يتسبب بفساد في الأرض، و ليس فساد نفسه فقط، يذكره الله عزوجل في قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(1)

ماهذه الرحمة بعد فعلهم: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)}(2).

وهناك رحمة تعلمية لنا و رحمة وقائية بأن نشكر نعمه عند خطابه لهؤلاء بالشكر الفعلي و الوقائي كأن نبتعد عن هكذا أفعال حيث جاء عن أهل البيت عليهم السلام مقتضى شكر المؤمن في عمله .

  • الإمام علي (عليه السلام): شكر المؤمن يظهر في عمله، وشكر المنافق لا يتجاوز لسانه (3).
  • عنه (عليه السلام): شكر العالم على علمه، عمله به وبذله لمستحقه (4).
  • الإمام الصادق (عليه السلام): شكر النعمة اجتناب المحارم، وتمام الشكر قول الرجل: الحمد لله رب العالمين (5)
  • الإمام علي (عليه السلام): شكر كل نعمة الورع عن محارم الله(6)

————————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.
1- البقرة : 28، 29.
2- البقرة : 27.
3- ميزان الحكمة / المحمدي الري شهري / الجزء : 2 صفحة : 1488.
4- نفس المصدر.
5-نفس المصدر.
6- نفس المصدر.

رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

بسم الله الرحمن الرحيم{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وردت العديد من الأدعية في سورة البقرة ومنها هذه الآية المباركة التي دلت بمعانيها على الإخلاص ورجاء القبول، وقبل الخوض بمعاني الآية الكريمة لا بد من تعريف سورة البقرة و هي : أول سورة نزلت في المدينة المنورة، والثانية حسب ترتيبها في القرآن الكريم، وعدد آياتها مائتان وست وثمانون آية، ولها أسماء وصفات أطلقت عليها منها:
الزهراوان ولهذه الصفة حديث عن النبي صلى الله عليه وآله قال:
اقْرَؤُوا القُرآنَ؛ فإنَّه يأتي شافِعًا لأصحابِه، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البَقَرةَ وآلَ عِمرانَ؛ فإنَّهما يأتيانِ يَومَ القيامةِ كأنَّهما غَمامَتانِ أو غَيايَتانِ أو فِرقانِ من طَيرٍ صَوافَّ تُحاجَّانِ عن صاحِبِهما، اقْرَؤُوا البَقَرةَ؛ فإنَّ أخذَها بَرَكةٌ، وتَرْكَها حَسرَةٌ، ولا تَستطيعُها البَطَلَةُ.
وسنام القرآن: لاعتبارها أطول سورة في القرآن،
وهي فسطاط القرآن: لكثرة الأحكام والمواعظ فيها، ولعظمها.
واسمها المعروف في المصحف الشريف سورة البقرة وذلك لحديثها عن قصة البقرة وكشف القاتل.
ومن فضلها:
حافظة وكافية للنفس من الشيطان سواء كان من الجن أو الإنس.
وتطرد الشياطين من البيت.
وتشفع لمن يقرأها يوم القيامة لما فيها من بركة.

ففي هذه السورة الآية المباركة التي تدل في معانيها على دعاء رسل الرحمن في تقبل عملهم لوجهه الكريم، وتبين اختلاف المفسرون والمؤرخون في تاريخ الكعبة المشرفة:
هل كانت قبل ابراهيم عليه السلام ثم عرض لها الخراب، فجددها ابراهيم عليه السلام هو وولده إسماعيل بأمر الله تعالى؟
ام أن تاريخ بنائها وانشائها يبتدئ بابراهيم عليه السلام؟
ذهب أكثر أهل التفسير والتاريخ من المسلمين إلى أنها أسبق بكثير من إبراهيم عليه السلام، مستندين على بعض القرائن من الآيات والروايات، فقوله تعالى في سورة إبراهيم: {رَّبَّنَآ إِنِّىٓ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ} وهذه الآية تدل على أن بيت الكعبة كان له نوع من الوجود حين جاء ابراهيم مع زوجته وابنه إلى مكة.
وفي خطبة للإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام وهي المسماة بالقاصعة يقول عليه السلام: أَلاَ تَرَوْنَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ إِخْتَبَرَ الاْوَّلِينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ إِلَى الاْخَرِينَ مِنْ هذَا الْعَالَم بِأَحْجَار … فَجَعَلَهَا بَيْتَهُ الْحَرَامَ … ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ(عليه السلام) وَوَلَدَهُ أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ.

وأما البعض الآخر قالوا: بل ولدت الكعبة على يد إبراهيم عليه السلام، ودلالة ذلك دعائهما في الآية الكريمة { ربنا تقبل منا} وأن يثيبهما الله على هذا العمل، لأن معنى القبول عند الله هو الثواب على العمل الذي يقبله، كما أن عدم الثواب على العمل معناه رده ورفضه، ولا تفكيك بموجب كرم الله وجوده وليس من شك أن الله قد قبل دعاءهما، وأجزل لهما الثواب على هذه الطاعة لأنه الذي فتح باب الدعاء.
وروي عن خالد بن عُرعُرة قال: أَنَّ رَجُلًا قَامَ إلَى الامام عَلِيّ عليه السلام فَقَالَ : أَلَا تُخْبِرنِي عَنْ الْبَيْت ؟ أَهُوَ أَوَّل بَيْت وُضِعَ فِي الْأَرْض ؟ فَقَالَ عليه السلام: لَا , وَلَكِنْ هُوَ أَوَّل بَيْت وُضِعَ فِي الْبَرَكَة مَقَام إبْرَاهِيم , وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا , وَإِنْ شِئْت أَنْبَأْتُك كَيْف بُنِيَ ; إنَّ اللَّه أَوْحَى إلَى إبْرَاهِيم أَنْ ابْنِ لِي بَيْتًا فِي الْأَرْض , قَالَ : فَضَاقَ إبْرَاهِيم بِذَلِكَ ذَرْعًا , فَأَرْسَلَ اللَّه السَّكِينَة وَهَى رِيح خُجُوج , وَلَهَا رَأْسَانِ , فَأَتْبَع أَحَدهمَا صَاحِبه حَتَّى انْتَهَتْ إلَى مَكَّة , فَتَطَوَّتْ عَلَى مَوْضِع الْبَيْت كَتَطَوِّي الْحَجَفَة , وَأَمَرَ إبْرَاهِيم أَنْ يَبْنِي حَيْثُ تَسْتَقِرّ السَّكِينَة . فَبَنَى إبْرَاهِيم وَبَقِيَ حَجَر , فَذَهَبَ الْغُلَام يَبْغِي شَيْئًا , فَقَالَ إبْرَاهِيم : لَا , ابْغِ حَجَرًا كَمَا آمُرك ! قَالَ : فَانْطَلَقَ الْغُلَام يَلْتَمِس لَهُ حَجَرًا , فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ قَدْ رَكَّبَ الْحَجَر الْأَسْوَد فِي مَكَانه فَقَالَ : يَا أَبَت مَنْ أَتَاك بِهَذَا الْحَجَر ؟ قَالَ : أَتَانِي بِهِ مَنْ لَمْ يَتَّكِل عَلَى بَنَاتك جَاءَ بِهِ جِبْرِيل مِنْ السَّمَاء.
ومهما يكن، فنحن غير مسؤولين أمام الله سبحانه ولا مكلفين بمعرفة تاريخ بناء الكعبة، وزمن انشائها وولادتها، نحن غير مسؤولين عن شئ من هذه الأشياء ولا مكلفين بمعرفتها وجوباً ولا استحباباً ولا عقلاً ولا شرعاً، إنما الشيء الذي نسأل عنه ونطالب به فيما يعود إلى الكعبة ، هو قصدها للحج والعمرة واحترامها وتقديسها، والمحافظة عليها والدفاع عنها وتعظيم بيت الله تعظيم لله، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: وفرض عليكم حج بيته الحرام الذي جعله قبلة للأنام يردونه ورود الأنعام، ويألهون إليه ولوه الحمام، جعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته، وإذعانهم لعزته، واختار من خلقه سماعا أجابوا إليه دعوته، وصدقوا كلمته، ووقفوا مواقف أنبيائه، وتشبهوا بملائكته المطيفين بعرشه، يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عنده موعد مغفرته، جعله سبحانه وتعالى للإسلام علما، وللعائذين حرم.
وهذه الأيام المباركة التي يقبل الله فيها الدعاء ويفتح في هذا الشهر الفضيل أبواب الاستجابة، روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: لمَّا كان أوَّل ليلة من شهر رمضان قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيُّها الناس، قد كفاكُمُ اللهُ عدوَّكُم مِنَ الجّنِّ والإنس، وَوَعَدَكُمُ الإِجابةَ وقال: أُدعوني أَستَجِب لَكُم، أَلا وَقَد وَكَّل الله سبحانه وتعالى بكلِّ شَيْطانٍ مَريد سبعةً منَ الملائكة، فَلَيس بمَحلولٍ حتى يَنْقَضِي شهرُ رمضان إلا وأبوابُ السماءِ مفتَّحةٌ من أوَّلِ ليّلةٍ منه الى آخر ليّلةٍ منه، ألا والدُّعاءُ فيهِ مقبول، حتى إذا كان أول ليلة من العَشْرِ قامَ فَحَمَدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيه وقال مثل ذلك، ثم قام وشّمَّر وشدَّ المِئزَر وبَرَز من بيته واعتكف وأحيا الليل كُله، وكان يغتسل كل ليلة منه بين العشائين.
اذا فمقام الدعاء والسؤال من الله سبحانه فالسلطة فيها للحقائق، والغرض متعلق هناك بحق الأمر، وصريح القرب والزلفى ولا هوى للأنبياء في الظاهر من جهة ما هو ظاهر ولا هوى لإبراهيم (عليه السلام) في ذريته ولوكان له هوى لبدأ فيه لأبيه قبل ذريته ولم يتبرأ منه لما تبين أنه عدو لله، ولم يقل في ما حكى الله من دعائه: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء: 87 – 89] ، ولم يقل {واجعل لي لسان صدق في الآخرين}( الشعراء – 84)، بل اكتفى بلسان ذكر في الآخرين إلى غير ذلك.
فليس الإسلام الذي سأله لذريته إلا حقيقة الإسلام، وفي قوله تعالى: {أمة مسلمة لك}، إشارة إلى ذلك فلو كان المراد مجرد صدق اسم الإسلام على الذرية لقيل: أمة مسلمة، وحذف قوله: لك.

قوله تعالى: {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم} إلخ دعوة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: أنا دعوة إبراهيم.

وتضمنت هذه الآية الكثير من الفوائد الجليلة منها :
1- أهمية القبول حيث إن مدار الأعمال الصالحة عليه، وذلك يقوم على الإخلاص للَّه تعالى، والاتباع لما جاء به الشرع المطهر .
2- دلّت الآية: أنّ على العبد ملازمة سؤال اللَّه قبول أعماله بعد أدائه لها، ومنها الدعاء، فقد كان هذا من هدي المصطفى : فإنه كان يستغفر ثلاثاً بعد الصلاة، وكان يقول بعد صلاة الصبح : (اللّهمَّ إنّي أسألك علماً نافعاً، ‏ورزقاً طيباً، وعملاً مُتقبّلاً)، وكان يقول : (ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي)، وكان يستعيذ من عمل لا يُرفع : (اللّهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن عمل لا يُرفع).
3- ينبغي للعبد أن يكون في حال عبادته لربه ودعائه، ‏خائفاً راجياً، كجناحي الطائر، فلا يغلّب الخوف، فيقع في القنوط، ولا يغلب الرجاء، ‏فيقع في الغرور، والأمن من مكر اللَّه تعالى .
4- التوسّل إلى اللَّه تعالى بأسمائه وصفاته ما يناسب المطلوب والسؤال؛ فإن (السميع) مناسب في سماع دعائهما، و(العليم) مناسب للعلم بنياتهما، وصدق تضرعهما، وكذلك (التواب الرحيم) .
5- ملازمة التواضع والإخبات للَّه تعالى في حال القيام بطاعته ولو بأجلّ العبادات والمقامات .
6- أن الدعاء ملجأ ومقصد كل الأنبياء والمرسلين، ‏وأن العبد لا غنى له عنه في كل أحواله الشرعية والدنيوية .
7- طرد الإعجاب بالنفس ، وعدم الإدلال على اللَّه تعالى بما قام من العمل ، فإنّ ذلك مفسد للعمل .
8- أهمية سؤال اللَّه تبارك وتعالى الثبات على الإسلام ، (وهو يشمل على الاستسلام للَّه تعالى ظاهراً و باطناً ).
9- ((أنه ينبغي للإنسان أن يشمل ذريته في الدعاء، ‏لأنّ الذرية الصالحة من آثار الإنسان الصالحة؛ لقوله تعالى : ” وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ” .
10- (شدة افتقار الإنسان إلى ربه تعالى؛ حيث كرر كلمة (ربنا)، وأنه بحاجة إلى ربوبيته اللَّه تعالى الخاصة التي تقتضي عناية خاصة).

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

تدبر في آية البسملة

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد
الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*)
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

لماذا اختار الله سبحانه و تعالى صفتي الرحمن الرحيم و أقسم بهما دون غيرهما من الصفات
والتي فيها شمول و هيمنة آية البسملة بما فيها من صفتي الرحمن و الرحيم و باقي مفرداتها لما يأتي بعدها من الآيات .
و لازلنا نطبق هيمنة البسملة بشكل متسلسل لآيات سورة البقرة و بعض الأحيان نقوم بتفسير موضوعي وطريقته استقراء آيات الموضوع.
التطبيق الحادي عشر من سورة البقرة ووصلنا إلى آية رقم 27.

{الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }.(1)

لكي تصلنا معرفة الرحمة التعليمية و الرحمة الوقائية لابد من الكلام عن أكبر أنقلاب عرفته البشرية .

في الحقيقة أنه كان سابقا هناك انقلابات بمعنى النقض للعهد الإلهي و قطع ما أمر الله به أن يوصل، وهو أكبر فساد، ولكن الإنسان لفي خسر ، خسرٌ دنيوي و آخري و من أبرز مصاديق ذلك هي الانقلابات..
وهي:
1- انقلاب إبليس على آدم وهو نقض لعهد الله و قطع لأوامره سبحانه تعالى وإفساد و خسارة بعدما عرف أنه هو المنصوص عليه بالخلافة لأفضليته. {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36) فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)} (2)

2- و أنقلاب قابيل على هابيل بعدما عرف أنه هو الوصي المنصوص من بعد آدم .{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(3).

3- أنقلاب أصحاب العجل على موسى عليه السلام و أخيه من بعد إيمانهم و قد نقضوا عهد الله و ما أمره به وكادوا أن يفتكوا بهارون عليه السلام لو لا عمل معهم بتقية حذر الموت لقتلوه وأفسدوا في الأرض وكانوا من الخاسرين . {قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ ۚ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(4).

4 – أما أكبر الانقلابات التي عرفتها البشرية و افتعلها الفاسقون و المنافقون بصريح الآيات السابقة عن الآية التي نحن فيها فقد أشار لنا رب العزة و الجلالة في سورة البقرة و بطريقة الرحمة التعلمية و الرحمة الوقائية أن هناك من يؤمنون بالأخبار الغيبية وهم على هدى من هذا الإيمان وهم المفلحون وهم عكس المنقلبين الخاسرين {الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}(5).

و من صفات هؤلاء المتقين انهم يؤمنون بما أنزل الله لنبي الرحمة وهم أعلى مصداق للولاية، بعكس المنافقين الذين تكلمنا سابقا عن صفاتهم في الآيات السابقة و من صفاتهم نقض العهد و قطع ما أمر الله به و الإفساد في الأرض، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} و يعد أخطر حرب على الله تعالى بما أنزله على نبيه صلى الله عليه و اله .

ومن الأخبار الغييبة حصول أكبر انقلاب عرفته البشرية و هو إبعاد أمير المتقين عن منصبه السياسي و الديني و تقليل صلاحيته و ولاية حكمه، و كان هذا أكبر مصداق غيبي يخبر به رب العزة و الجلالة نبيه الأكرم بتفاصيل (المفلحون) التي بدأنا تطبيقنا به منتهين بالمنافقين الفاسقين وهم الخاسرون { الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} .


*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- البقرة : 27

2- البقرة :30، 31، 32، 34 ،35 ، 36 ،37 .

3- المائدة:27، 28، 29، 30.

4- الأعراف : 144، 145، 146، 147، 148، 149 ، 150.

5- البقرة : 1، 2، 3، 4، 5، .

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ


بسم الله الرحمن الرحيم
{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

يهل علينا بحمد الله هذا الشهر الكريم ونحن في عافية ونعمة من الله، فنقول كما روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام في دعائه: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِحَمْدِهِ، وَ جَعَلَنَا مِنْ أَهْلِهِ لِنَكُونَ لِإِحْسَانِهِ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَ لِيَجْزِيَنَا عَلَى ذَلِكَ جَزَاءَ الْمُحْسِنِينَ.
يتمحور البحث في أدعية الآيات حول التفسير المنقول والمعقول ومن الله التوفيق.
هذه الآية المباركة وردت في سورة الفاتحة التي هي أم الكتاب ،والسبع المثاني، وسميت هذه السورة بالعظيمة أيضاً لأن العبد لا تصح صلاته إلا بها.
في هذه الآية المباركة في قوله تعالى: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}،
هناك اعتماد ومنهج سار عليه المفسرون في مجال البحث على طريقين: نظري مفاهيمي، ومصداقي تشخيصي، فالمنهج النظري المفاهيمي هو معرفة الخصائص القرآنية لذلك الطريق القويم، وأما المصداقي التشخيصي هو رصد الشخصيات والرجال الذين سلكوا هذا الطريق وبيان خصائصهم.
و المقصود يبينه صادق العترة عليه السلام ،فيما روي عن المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الصراط؟ فقال عليه السلام: هو الطريق إلى معرفة الله عزوجل ، وهما صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة. وأما الصراط الذي في الدنيا فهو الامام المفترض الطاعة، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردى في نار جهنم.
وبهذا التقسيم تبين الآيات صراط الدنيا و هو الاستقامة والاستواء الحقيقي كقوله تعالى في سورة آل عمران: {وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى‌ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وقول الله عز وجل مخاطبا النبي صلى الله عليه وآله في سورة المؤمنون : {وَ إِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى‌ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} فتكون الهداية إلى الصراط هي معرفة الإمام المفروض طاعته واتباع سبل الله، وعدم اتباع سبل أخرى ملتوية مضللة، وذلك قول الشيطان الرجيم متوعداً، كما جاء في سورة الأعراف: { قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ }.

طريق الصراط الدنيوي متعلق بالأخروي لأن الشيطان سيضل، ويجري مجرى الدم بابن ادم، ويضلهم عن ولاية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، كما جاء في تفسير البرهان ما روي عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال: الصراط الذي قال إبليس {قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثم لآتينهم من بين أيديهم} الآية وهو علي عليه السلام.

إن التمسك بالحق والالتزام بالموقف التوحيدي الراسخ يتطلب البراءة والرفض لكل مطاع من دون الله، والالتزام برسله وأولياءه، لأن المشي في الطريق الضيق شديد الضيق حادّ بارز الحدة، كأنما هو نصلة سيف، يروى عن الإمام الصادق عليه السلام قال: الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف، فمنهم من يمر عليه ماشياً، ومنهم من يمر عليه حبواً، ومنهم من يمر عليه متعلقا، فتأخذ النار منه شيئاً وتترك منه شيئا، فهذا الطريق بينه لنا أئمتنا عليهم السلام وأنه محفوف بالمكاره وبأن القابضين على دينهم كالقابضين على الجمر.
السعي الإنساني على الصراط ينبغي أن يكون سعياً موسوماً بالإقبال والإخلاص ، والسلوك فيه سلوكا التمسك بالدين الحنيف والحقائق الصادرة عن أهل البيت عليهم السلام، فتكون بصيرة المتمسكين عالية مترابطة مع ما أرادوه من الإذعان للأمر الصادر منهم ليصل بهم إلى صراط الإيمان بعيدا عن النفاق، لأنهم سيمرون في الآخرة عليه فيصفه لنا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله قال: الصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف.
وأن مزية اصحاب الصراط المستقيم على غيرهم انما هو بالعلم، لأن الذي يصعد إلى الله تعالى هو الكلم الطيب وذلك قوله تعالى:{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} .

فيتبن أنّه كما أنّ الصراط المستقيم مهيمنٌ على جميع السبل الموصلة الى العلم ، فكذلك اصحابه الّذين مكنّهم الله تعالى فيه وتولّى أمرهم وولّاهم أمر هداية عباده حيث قال:( وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) النساء – ٦٩. وقال تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) المائدة – ٥٥. والآية نازلة في أمير المؤمنين علي عليه ‌السلام بالأخبار المتواترة وهوعليه‌ السلام اوّل فاتحٍ لهذا الباب من الاُمّة.
روي عن الامام الصادق عليه السلام قال: إنّ الناسَ أخَذُوا يَمينا و شِمالاً، و إنّا و شيعَتُنا هُدِينا الصِّراطَ المُستَقيمَ.
وقد وردّ في كتب بعضهم كالشيخ السعدي في تفسيره معنى الآية: “اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ أي: دلنا وأرشدنا، ووفقنا للصراط المستقيم، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله، وإلى جنته، وهو معرفة الحق والعمل به، فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط. فالهداية إلى الصراط: لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط، تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا. فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته، لضرورته إلى ذلك.

ونحن في أول أيام هذا الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك نتمسك بالصراط المستقيم التي ندعوا الله أن يثبتنا عليها ويجعلنا ممن شملهم قول النبي صلى الله عليه وآله: في قوله عَزّوجلّ: ( اهدنا الصراط المستقيم) دين الله الذي نزل به جبرئيل( عليه السلام) على محمد( صلى الله عليه وآله)،( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالّين) قال شيعة علي الذين أنعمت عليهم بولاية علي بن ابي طالب( عليه السلام) لم تغضب عليهم ولم يضلّوا.
وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين.