الليلة العاشرة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وَمِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَالإِنْسِ فَسَلِّمْنِي، وَبِذُنُوبِي فَلاَ تَفْضَحْنِي، وَبِسَرِيرَتِي فَلاَ تُخْزِنِي، وَبِعَمَلِي فَلاَ تَبْتَِلْنِي، وَنِعَمَكَ فَلاَ تَسْلُبْنِي، وَاِلى غَيْرِكَ فَلاَ تَكِلْنِي.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَمِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَالإِنْسِ فَسَلِّمْنِي، وَبِذُنُوبِي فَلاَ تَفْضَحْنِي.

أن الكلام بعجائب مخلوقات الله الكثيرة التي نعلمها والتي خفيت عنا رحمة منه علينا، الجن من مخلوقات الله عز وجل عرفناها من خلال كتاب الله القرآن الكريم، وروايات أهل البيت عليهم السلام، قال تعالى في محكم كتابه العزيز بعدد من الآيات الكريمة منها:

قوله تعالى في سورة الذاريات: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.

وقوله تعالى في سورة الإسراء: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}.

وقوله تعالى في سورة الأحقاف: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ}.

يتبين أن الجن كالبشر مؤمنين وكفار، ومقصدنا أن طائفة الكفر منهم كحال البشر من شرورهم وأذيتهم، روي عن  النبي صلى الله عليه وآله قال: الجن ثلاثة أصناف: صنف حياة وعقارب وخشاش الأرض، وصنف كالريح في الهواء، وصنف عليهم الحساب والعقاب، وخلق الله الإنس ثلاثة أصناف: صنف كالبهائم، لهم قلوب لا يفقهون بها، وله آذان لا يسمعون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، وصنف أجسادهم أجساد بني آدم، وأرواحهم أرواح الشياطين، وصنف كالملائكة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله.

الإنسان في مراحل حياته يفعل الأشياء التي تحط من حسناته وتزيد في ذنوبه التي إن اطلع عليها غيره لما كلمه أو صافحه، روي عن الإمام الجواد عليه السلام قال: حدثني أبي، عن جدي عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لو تكاشفتم ما تدافنتم.

كل ذلك يكون بغضب الله على عبده بكثرة ذنوبه، ولها الآثار المهلكة في الدنيا والآخرة، روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: إن العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب، أو إلى وقت بطيء، فيذنب العبد ذنباً، فيقول الله تبارك وتعالى للملك لا تقضِ حاجته، واحرمه إياها؛ فإنه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَبِسَرِيرَتِي فَلاَ تُخْزِنِي، وَبِعَمَلِي فَلاَ تَبْتَِلْنِي.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة غافر: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}.

أن الله يعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر، فيرشدنا الإمام عليه السلام أن نشتد بالدعاء ونجتهد لنكون كما أراد لنا، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): ما ينفع العبد يظهر حسنا ويسر سيئا، أليس إذا رجع إلى نفسه، علم أنه ليس كذلك، والله تعالى يقول: {بل الإنسان على نفسه بصيرة} إن السريرة إذا صلحت قويت العلانية.

فالخزي الذي يهرب منه الإنسان ما يخفي داخل سريرته ما لا يعلمه الا هو وربه، وبما أن العدل الالهي لابد أن يبين، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ما من عبد أسر خيرا فذهبت الأيام أبدا حتى يظهر الله له خيرا، وما من عبد يسر شرا فذهبت الأيام حتى يظهر الله له شرا.

فتكون كل النتائج التي خفيت تظهر من خلال عمل الإنسان حسنا أو شرا، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من أصلح فيما بينه وبين الله أصلح الله فيما بينه وبين الناس، ومن أصلح جوانيه أصلح الله برانيه، ومن أراد وجه الله أناله الله وجهه ووجوه الناس.

إن الفساد الداخلي للإنسان عند ظهوره يؤثر على طبعه فيعطيه آفة سوء الخلق، فيبتلى لعله يرجع، فيكون كما روي الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَنِعَمَكَ فَلاَ تَسْلُبْنِي، وَاِلى غَيْرِكَ فَلاَ تَكِلْنِي.

فقال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأنفال: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

إن من موجبات سلب النعمة عن الإنسان ما يروى عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): إن الله لم يعطِ ليأخذ، ولو أنعم على‏ قوم ما أنعم وبقوا ما بقي الليل والنهار ما سلبهم تلك النعم وهم له شاكرون، إلا أن يتحولوا من شكر إلى‏ كفر ومن طاعة إلى‏ معصية.

يخاف الإنسان المؤمن من أن يخرجه الله من كنفه في التوكل إلى غيره، وفقده لثمرة التقرب الإلهية حيث روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها.

قد يقع الإنسان في غلط الاعتماد التَّامّ على الأسباب والوسائل وحدها، ويعد هذا نوع من الشِّرك الناتج عن ضعف الإيمان، والثِّقة بالله تعالى، ولا ينافي ذلك سعي الإنسان، والاستفادة من الأسباب الطَّبيعيَّة.

روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله ) قال: يقول الله عز وجل : ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أبواب السماوات والأرض دونه ، فإن دعاني لم أجبه ، وإن سألني لم اعطه.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إنَّ لنا دولةً يجيء الله بها إذا شاء.

ثم قال عليه السلام: من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدّوا وانتظروا هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الميثاق المقدس

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ


سورة البقرة، من آية 64، إلى آية 66

 ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ(1)

بعد المبحث الاستقرائي لآيات الميثاق فهناك في سياق الآيات عدة أمور:

الأول: نزلت رحمته لمن رفع فوقهم جبل الطّور، و استقاموا من بعد الزجر، و كانت عاقبتهم حسنه.

الثاني: زجر آخر بتذكيرهم لمن نزل عليهم العقاب الدنيوي قبل الأخروي، ألا وهو مسخ قوم خالفوا الأوامر الإلهية.

الثالث: تذكير الشريحة المتقية لتعزيز ثبات التقوى بقصة أصحاب السبت.

الكلام في الشريحة التي قد مسخت إلى قردة وخنازير:

الأول: [قصة أصحاب السبت:] وقال علي بن الحسين عليهما السلام: كان هؤلاء قوما يسكنون على شاطئ بحر، نهاهم الله وأنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت.

فتوصلوا إلى حيلة ليحلوا بها لأنفسهم ما حرم الله، فخذوا أخاديد، وعملوا طرقا تؤدي إلى حياض، يتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق، ولا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع منها إلى اللجج.

فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على أمان الله لها فدخلت الأخاديد وحصلت في الحياض والغدران.

فلما كانت عشية اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن صائدها، فرامت الرجوع فلم تقدر، وأبقيت ليلتها في مكان يتهيأ أخذها يوم الأحد بلا اصطياد لاسترسالها فيه، وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها.

فكانوا يأخذونها يوم الأحد، ويقولون: ما اصطدنا يوم السبت، إنما اصطدنا في الأحد، وكذب أعداء الله! بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت، حتى كثر من ذلك مالهم وثراؤهم، وتنعموا بالنساء وغيرهن لاتساع أيديهم به.

وكانوا في المدينة نيفا وثمانين ألفا، فعل هذا منهم سبعون ألفا، وأنكر عليهم الباقون، كما قص الله تعالى سورة الأعراف، من آية 163، إلى آية 164

 {وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ وَ إِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى‏ رَبِّكُمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}. 2))

وذلك أن طائفة منهم وعظوهم وزجروهم، ومن عذاب الله خوفوهم، ومن انتقامه وشديد بأسه حذروهم، فأجابوهم عن وعظهم {لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ} بذنوبهم هلاك الاصطلام {أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً}.

فأجابوا قائلين لهم هذا: {مَعْذِرَةً إِلى‏ رَبِّكُمْ} هذا القول منا لهم معذرة إلى ربكم، إذ كلفنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربنا مخالفتنا لهم، وكراهتنا لفعلهم.

قالوا: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} ونعظهم أيضا لعلهم تنجع فيهم المواعظ، فيتقوا هذه الموبقة، ويحذروا عقوبتها.

قال الله عز وجل: سورة الأعراف، آية 166، صفحة 172

 {فَلَمَّا عَتَوْا} حادوا وأعرضوا وتكبروا عن قبولهم الزجر {عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ} مبعدين عن الخير، مقصين.

قال: فلما نظر العشرة الآلاف والنيف أن السبعين ألفا لا يقبلون مواعظهم، ولا يحفلون  بتخويفهم إياهم وتحذيرهم لهم، اعتزلوهم إلى قرية أخرى قريبة من قريتهم وقالوا: نكره أن ينزل بهم عذاب الله ونحن في خلالهم.

فأمسوا ليلة، فمسخهم الله تعالى كلهم قردة خاسئين، وبقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منه أحد ولا يدخله أحد.

وتسامع بذلك أهل القرى فقصدوهم، وتسنموا حيطان البلد، فاطلعوا عليهم فإذا هم كلهم رجالهم ونساؤهم قردة يموج بعضهم في بعض! يعرف هؤلاء الناظرون معارفهم وقراباتهم وخلطاءهم، يقول المطلع لبعضهم: أنت فلان؟ أنت فلانة؟

فتدمع عينه، ويؤمي برأسه (بلا، أو نعم).

فما زالوا كذلك ثلاثة أيام، ثم بعث الله عز وجل عليهم مطرا وريحا فجرفهم إلى البحر، وما بقي مسخ بعد ثلاثة أيام، وإنما الذين ترون من هذه المصورات بصورها فإنما هي أشباهها، لا هي بأعيانها ولا من نسلها.

——————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- البقرة : 64، إلى آية 66 .

2- الأعراف:من آية 163، إلى آية 164 .

3- تفسير الإمام العسكري (ع) – المنسوب إلى الإمام العسكري (ع) – الصفحة 270.

الليلة التاسعة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

اَللَّهُمَّ مَا اَخَافُ فَاكْفِنِي، وَمَا أحْذَرُ فَقِنِي، وَفِي نَفْسِي وَدِينِي فَاحْرُسْنِي، وَفِي سَفَرِي فَاحْفَظْنِي، وَفِي أهْلِي وَمَالِي فَاخْلُفْنِي، وَفِي مَا رَزَقْتَنِي فَبَارِكْ لِي، وَفِي نَفْسِي فَذلِّلْنِي، وَفِي أعْيُنِ النَّاسِ فَعَظِّمْنِي.

روي عنه عليه السلام في دعائه: اَللَّهُمَّ مَا اَخَافُ فَاكْفِنِي، وَمَا أحْذَرُ فَقِنِي.

إن الخوف من أسوأ الكوارث، التي يمنى بها الإنسان، فيعيش  في نفسه القلق والاضطراب، ويجعله يعيش في شقاء، لذلك يتقلب المؤمن بين الخوف مما هو مخفي عنه، ولأن الخوف شعور فطري لازم للإنسان منذ نزول آدم عليه السلام؛ كالخوف من المجهول، ومن الألم، ومن العدو، ومن الأخطار، فإذا ما تحقق الخوف، ووقعت البلوى، وعمت المصيبة جاء الحزن كنتيجة متوقعة محققة لتلك المخاوف.

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إذا خفت صعوبة أمر فاصعب له يذل لك، وخادع الزمان عن أحداثه تهن عليك.

فكل ما يعيشه المؤمن يحتاج إلى ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام من مأثور تجاه كل خوف دنيوي فيهون، ولكن أعظم خوف هو الخوف من الله الذي يجب على الإنسان العمل من أجله، وأعطونا عليهم السلام من الأدعية والأوراد التي تخفف عنا الخوف الدنيوي لنصل إلى الاطمئنان النفسي فنخرج من الهلع إلى ما أراده الله لنا من الطمأنينة، إن جعلنا ميزان اللَّه نصب أعيننا، كما ترى شخصيات خافت اللَّه تعالى فنظر إليها نظرة رحيمة.

فروي عن ليث بن أبي سليم قال سمعت رجلاً من الأنصار يقول: بينما رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مستظل بظل شجرة في يوم شديد الحر إذ جاء رجل فنزع ثيابه ثم جعل يتمرغ في الرمضاء يكوي به ظهره مرة، وبطنه مرة، وجبهته مرة، ويقول: يا نفس ذوقي فما عند اللَّه أعظم مما صنعت بك! ورسول اللَّه ينظر إليه ما يصنع! ثم إن الرجل لبس ثيابه ثم أقبل، فأومئ إليه النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بيده ودعاه.

فقال له: يا عبداللَّه! رأيتك صنعت شيئاً ما رأيت أحداً من الناس صنعه، فما حملك على ما صنعت؟

فقال الرجل: حملني على ذلك مخافة اللَّه، فقلت لنفسي: يا نفس ذوقي فما عند اللَّه أعظم مما صنعت بك .

فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: لقد خفت ربك حق مخافته وإن ربك ليباهي بك أهل السماء!

ثم قال لأصحابه: يا معشر من حضر! ادنوا من صاحبكم حتى يدعوا لكم!

فدنوا منه، فدعا لهم وقال: اللهم اجعل أمرنا على الهدى، واجعل التقوى زادنا، والجنة مآبنا.

إن التحذير  من الأمور المهمة للإنسان المؤمن للوقاء من عداوة الشيطان وحبائله لاسيما إذا عرفنا أن لإبليس طرقا خفية ومكائدا كثيرة وفخاخا متعددة يصطاد بها من يغفل عنه، ولكي نقف على تحذيرات أهل البيت (عليهم السلام) ونواهيهم عن إتباع الشيطان لابد من ذكر ما ورد عنهم (صلوات الله عليهم أجمعين):

روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: احذروا عدوا نفذ في الصدور خفيا، ونفث في الآذان نجيا.

و مما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) ما يؤكد أن للشيطان فخاخا ومكائد كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور، فما يقصد فيها إلا أولياءنا.

فالإنسان المؤمن بعد معرفته أن الخوف والحذر من أمور الدنيا والآخرة راجعة عليه في الأعمال التي تصدر منه، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأنعام: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ ۙ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَفِي نَفْسِي وَدِينِي فَاحْرُسْنِي، وَفِي سَفَرِي فَاحْفَظْنِي.

بعد معرفة مكائد الشيطان وحبائله وفتنه صار لزاما علينا مجاهدة هذا المخلوق الذي لا هم له إلا إيقاعنا في معصية الله تعالى، فيتوجه إلى الطلب أن يحرسه منه في نفسه ودينه وسفره.

 روي عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ بَابَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَوَافَقْتُهُ حِينَ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ فَقَالَ: “بِسْمِ اللَّهِ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ‏”.

ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ، فَإِذَا قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، قَالَ الْمَلَكَانِ كُفِيتَ، فَإِذَا قَالَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، قَالا هُدِيتَ، فَإِذَا قَالَ‏: تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ‏، قَالا وُقِيتَ، فَيَتَنَحَّى الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: كَيْفَ لَنَا بِمَنْ هُدِيَ وكُفِيَ ووُقِيَ.

أن ما يرجوه الإنسان أن يحيى آمنا في جميع أموره من الدنيا والآخرة، وكل ما يتمناه ويرجوه هو في الإيمان المطلق في اتباع ما أمرنا الله به و رسوله صلى الله عليه وآله من الاتباع والايمان بأهل البيت عليهم السلام.

روي عن أبان بن تغلب قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أراد ان يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل جنة ربى، جنة عدن، غرسها ربى بيده، فليتول على بن أبي طالب، وليتول وليه، وليعاد عدوه، وليسلم الأوصياء من بعده، فإنهم عترتي، من لحمى ودمى، أعطاهم الله فهمي وعلمي، إلى الله أشكو من أُمتي المنكرين لفضلهم، والقاطعين صلتي، وأيم الله ليقتلن إبني لا أنالهم الله شفاعتي.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَفِي سَفَرِي فَاحْفَظْنِي.

وردت عنهم روايات كثيرة في أدعية السفر للحفظ من طوارق الزمان ووعثاء السفر، منها:

ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: إنّ الإنسان إذا خرج من منزله قال حين يريد أن يخرج: “الله أكبر الله أكبر، -ثلاثاً-، بالله أخرج، وبالله أدخل، وعلى الله أتوكَّل – ثلاث مرّات -، اللّهم افتح لي في وجهي هذا بخير، واختم لي بخير، وقِني شرَّ كلِّ دابّةٍ أنت آخذٌ بناصيتها إنَّ ربّي على صراط مستقيم”.

 لم يزل في ضمان الله عزَّ وجلَّ حتَّى يردَّه إلى المكان الّذي كان فيه.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَفِي أهْلِي وَمَالِي فَاخْلُفْنِي، وَفِي مَا رَزَقْتَنِي فَبَارِكْ لِي، وَفِي نَفْسِي فَذلِّلْنِي، وَفِي أعْيُنِ النَّاسِ فَعَظِّمْنِي.

إن الإنسان مهما بلغ في العلم والتقوى بإمكانه _في أي لحظة _ أن يخلد للأرض، ويكفر بنعم الله تعالى، وهذه نقطة مهمة! فيجب عليه أن يذلل نفسه دائما كي لا يصل لما وصل إليه بلعم بن باعوراء، كما قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأعراف: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾.

روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: أنه أعطي بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم، وكان يدعو به فيستجاب له، فمال إلى فرعون، فلما مر فرعون في طلب موسى عليه السلام وأصحابه قال فرعون لبلعم: ادع الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا، فركب حمارته ليمر في طلب موسى عليه السلام، فامتنعت عليه حمارته، فأقبل يضربها فأنطقها الله عز وجل فقالت: ويل لك على ما تضربني؟ أتريد أن أجيء معك لتدعو على نبي الله وقوم مؤمنين؟! فلم يزل يضربها، حتى قتله وانسلخ الاسم الأعظم من لسانه.

المؤمن في اتباعه للحق والالتزام بما أمر به من أهل البيت عليهم السلام يكون همه ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصف المتقين قال: عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم.

أراد الله وأهل البيت عليهم السلام من الإنسان أمورا، فكانت كلمات مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ما حارت العقول في سموّه، وعمقه، ومعانيه، ومراميه، وتنوّعه، فلا يصدر إلا منه عليه السلام، لنجتزيء من خطبة مواعظ كلامه عليه السلام، روي أنّ صاحباً لأمير المؤمنين (عليه السلام) يقال له همّامٌ كان رجلاً عابداً، فقال له: “يا أمير المؤمنين، صف لي المتقين كأني أنظر إليهم”.

فتثاقل عن جوابه، ثم قال (عليه السلام): (يا همّامُ، اتقِ اللهَ وأحْسِنْ فَـ (إنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا والَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُون)).

فلم يقنع همّامٌ بِذَلِكَ القول حتّى عزم عليه.

قال عليه السلام: فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ:

مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، وَمَلْبَسُهُمُ الاْقْتِصَادُ، وَمَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ.

-نَزَلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلاَءِ كَالَّتِي نَزَلَتْ فِي الرَّخَاءِ.

-قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ، وَشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ، وَأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ، وَحَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ، وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ.

صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً، تِجَارَةٌ مَرْبِحَةٌ، يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُم.

أَرَادَتْهُمُ الْدُّنْيَا وَلَمْ يُرِيدُوهَا، وَأَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أُنْفُسَهُمْ مِنْهَا.

-لاَ يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ، وَلاَ يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ، فَهُمْ لاَِنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ، وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ.

-فَمِنْ عَلاَمَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِين، وَحَزْماً فِي لِين، وَإِيمَاناً فِي يَقِين، وَحِرْصاً فِي عِلْم، وَعِلْماً فِي حِلْم، وَقَصْداً فِي غِنىً، وَخُشُوعاً فِي عِبَادَة، وَتَجَمُّلاً فِي فَاقَة، وَصَبْراً فِي شِدَّة، وَطَلَباً فِي حَلاَل، وَنَشاطاً فِي هُدىً، وَتَحَرُّجاً عَنْ طَمَع.

-يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَيُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ، وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ.

-لاَ يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ، وَلاَ يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ، يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ.

-قال: “فصعق همّام رحمه الله صعقةً كانت نفسُه فيها.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْه.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إن قائمنا إذا قام مد الله عز وجل لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم، حتى [لا] يكون بينهم وبين القائم بريد، يكلمهم فيسمعون، وينظرون إليه وهو في مكانه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الليلة الثامنة

‎‎بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وَأعِنِّي عَلى بَوَائِقِ الدُّهُورِ وَصُرُوفِ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ، وَنَجِّنِي مِنْ أهْوَالِ الدُّنْيَا وَكُرُبَاتِ الآْخِرَةِ، وَاكْفِنِي شَرَّ مَا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ في الأَرْضِ.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَأعِنِّي عَلى بَوَائِقِ الدُّهُورِ وَصُرُوفِ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ.

 كلمات هذا الدعاء الكريم _كما لا يخفى_ بأنّ به تنبيهات تكتسب أهمية من مكانتها في تعاليم الدين الحنيف، وتأثيرها في كمال الإنسان وإيصاله إلى غايته التي تدفع عنه شر الزمان ومصائب الليالي والأيام، بكل مكائدها.

كان هناك في زمن آل الرسول عليهم السلام جماعة بعقيدة منحرفة يطلق عليهم الدهريون الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ كما وصفهم الله في محكم كتابه العزيز في سورة الجاثية: (مَا هِي إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ).

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: حدثني أبي الباقر، عن جدي علي بن الحسين زين العابدين، عن أبيه الحسين سيد الشهداء، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين أنه اجتمع يوما عند رسول الله صلى الله عليه وآله أهل خمسة أديان: اليهود، والنصارى، والدهرية، والثنوية، ومشركو العرب…

الإمام علي (عليه السلام) يقول: ثم أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الدهرية

فقال: وأنتم فما الذي دعاكم إلى القول بأن الأشياء لا بدء لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال؟

قالوا: لأنا لا نحكم إلا بما نشاهد ولم نجد للأشياء محدثا فحكمنا بأنها لم تزل، ولم نجد لها انقضاء وفناء فحكمنا بأنها لا تزال.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أفوجدتم لها قدما أم وجدتم لها بقاء أبد الأبد؟ … فهذا الذي نشاهده من الأشياء بعضها إلى بعض مفتقر، لأنه لا قوام للبعض إلا بما يتصل به، كما ترى البناء محتاجا بعض أجزائه إلى بعض وإلا لم يتسق ولم يستحكم، وكذلك سائر ما نرى… فإذا كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوته وتمامه هو القديم فأخبروني أن لو كان محدثا كيف كان يكون؟

وماذا كانت تكون صفته؟

قال: فصمتوا…

وقالوا: سننظر في أمرنا.

وبما إن هذه العقائِد الخُرافيَّة انقرضتْ بمُرورِ الزَّمان، لكن قد استُعمل الدهر في بعض التعبيرات بمعنى أبناء الأيام، وأهل الزمان الذين شك العظماء من عدم وفائهم، ينقل عن الإمام الحسين عليه السلام حيث أنشد ليلة عاشوراء:

يا دهر أف لك من خليل * كم لك في الاشراق والأصيل

 من طالب وصاحب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل

 وإنما الأمر إلى الجليل * وكل حي سالك سبيلي.

أما الدهر المقصود هو الشيء الذي ذمه كثير منَ الأئمة عليهم السلام العظماء، لأنهم كانوا يرون كثيرا من أهل زمانهم مخادعين مذبذبين لا وفاء لهم.

روي عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: الدهر يومان: فيوم لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فلا تحزن، فبكليهما ستختبر.

‎جرت المعرفة أن لليالي والأيام مستحبات ومكروهات، فهناك من يتشاءم ببعضها ويفرح ببعض، ومازالت هذه العادة جارية عندهم، وبما أن كلمات هذا الدعاء صادرة عن المعصوم فقد استفاضت الروايات من المستحبات والأعمال في الليالي والأيام وعدم معاداتها.

‎قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة القمر: {كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر * إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمر}، وفي آية أخرى يقول سبحانه في محكم كتابه العزيز وهو يتحدث عن نفس الحادثة في سورة فصلت: {فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون}.

الرياح العاتية التي أرسلها الله على قوم عاد استمرت سبع ليال وثمانية أيام كما ورد في سورة الحاقة، واليوم الثامن كان يوم الحسم والهلاك التام.

النحوسة التي تشير إليها الآيتان ليست نحوسة نفس الزمن وذات اليوم، وإنما هي بلحاظ ما وقع في تلك الأيام من ريح صرصر عاتية، فالنحوسة ـ في الحقيقة ـ هي لما أصاب القوم من عذاب استحق عليهم من خلال العقاب الالهي ، ونسبتها إلى الأيام نسبة مجازية، بعلاقة الحال والمحل، وكثيراً ما يسمى الحال باسم المحل أو العكس كما اذا اصاب انسان بلاء يبقى في يوم يعتبر هذا اليوم يوم منحوس.

روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قال في بعض الأعياد: إنما هو عيد لمن قبل الله تعالى صيامه، وشكر قيامه، وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو يوم عيد.

وروي عن الإمام علي زين العابدين عليه السلام قال: مسكين ابن آدم! له في كل يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهن، ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا، فأما المصيبة الأولى: فاليوم الذي ينقص من عمره، قال: وإن ناله نقصان في ماله اغتم به، والدرهم يخلف عنه والعمر لا يرده شيء.

والثانية: أنه يستوفي رزقه، فإن كان حلالا حوسب عليه، وإن كان حراما عوقب عليه.

قال: والثالثة: أعظم من ذلك قيل: وما هي؟

قال: ما من يوم يمسي إلا وقد دنى من الآخرة مرحلة لا يدري على الجنة أم على النار!

‎ونحن في هذه الشهر الكريم نرى كثير من المستحبات ولمن يراجع كتب الأدعية والزيارات، يرى أعمال الليالي في شهر رمضان، فلكلِّ ليلة عملها الخاص وأدعيتها الخاصة، وصلاتها أيضاً.

‎روي عن الإمام الصادق جعفر ابن محمد عليهما السلام قال: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض، فغرة الشهور شهر الله عز وجل وهو: شهر رمضان وقلب شهر رمضان ليلة القدر ونزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان واستقبل الشهر بالقرآن

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَنَجِّنِي مِنْ أهْوَالِ الدُّنْيَا وَكُرُبَاتِ الآْخِرَةِ،

روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان ينادي في كل ليلة حين يأخذ الناس مضاجعهم للمنام، بصوت يسمعه كافة أهل المسجد ومن جاوره من الناس: ” تزودوا رحمكم الله! فقد نودي فيكم بالرحيل! وأقلوا العرجة على الدنيا، وانقلبوا بصالح ما يحضركم من الزاد! فان أمامكم عقبة كؤودا، ومنازل مخوفة مهولة، لابد من الورود عليها، والوقوف عندها.

يطول الكلام في هذا البحث ويأتي في الشروح القادمة، ولكن ينقسم إلى تقسيمات منها:  الاحتضار الى خروج الروح ، القبر إلى الانتقال إلى عالم البرزخ، ثم انتظار الصيحة ليوم القيامة، لكن يشار لما روي  عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ولكنِّي والله أتخوّف عليكم من البرزخ، قلت: وما البرزخ؟ قال: القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَاكْفِنِي شَرَّ مَا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ فِى الأَرْضِ.

الظلم من أقبح الذنوب والمعاصي، ولأنه قبيح في ذاته، ويمتد ضرره إلى الآخرين، خصوصاً إذا كان الظالم من المتنفذين في أي موقع كان، ألا إن الحاكم الظالم هو الأشد خطراً وضرراً ، لأن ظلمه سيصل إلى كل الناس، ومما يقرب هول السؤال بمضار ما يعمل الظالم وتأثيره على الإنسان المؤمن ما روي عن الإمام الحسين  عليه السلام في خطبة بين أصحابه وأصحاب الحر، بعد أن حمد الله وأثنى عليه، قال:

أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وأنا أحق من غيّر.

‎العمل الذي لا يريد أئمتنا عليهم السلام أن يصل وزره إلينا هو: ما يروى عن الإمام الصادق (عليه السلام) – لما سئل عن عون الظالم للضيق والشدة -قال: ما أحب أني عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء وإن لي ما بين لابتيها، لا ولا مدة بقلم! إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روي عن عبد الله بن الفضل قال : سمعت جعفر بن محمد الإمام الصادق عليه السلام يقول : إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها، يرتاب فيها كل مبطل .

فقلت له: ولم جعلت فداك؟

قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم.

قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟

فقال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره. إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار ، لموسى عليه السلام إلا وقت افتراقهما .

يا ابن الفضل، إن هذا أمر من أمر الله، وسر من سر الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة ، وإن كان وجهها غير منكشف لنا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.