التطبيق السادس عشر

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد
الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*)
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

الموضوع.

التطبيق السادس عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (48) (1)

في خطاب الرحمة الإلهية كرر الله ما أنعم على بني إسرائيل، و زاد على ذلك عدة أمور منها التودد بكلمة {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} ، و كرر ذكر الحساب يوم القيامة، و دقة الحساب، و عدالته، وبعد ذلك كرر ذكر النعم بتفصيل الآيات التي سنتكلم عنها في ما بعد.

و هناك سؤال بماذا فضل الله بني إسرائيل على العالمين؟
وكيف نوفق بين هذه الآية و آية {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}؟

في البداية فضل الله بني إسرائيل على عالمي أهل زمانهم الذين عاصروهم ، و فضلهم على أهل زماننا بكثرة المعاجز، و الأنبياء عليهم السلام.
وقول الله تعالى {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} فضلهم في (العطاء) ومع ذلك المتفق عليه أن النبي محمد خاتم الأنبياء صلوات الله عليه وعلى آل بيته الطاهرين هو أفضل الأنبياء.

كيف نوفق بين هذه الآية و آية {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ؟
(2)صارت خير أمة:
لعلة{تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ }(3)

لعلة فريضة النهي عن المنكر والأمر بالمعروف

والعلة الأخرى كثرة من آمن بالله

ولو حافظ أهل الكتاب على هذه الميزة أي هذه العلل لصاروا هم خير أمة{وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } (4) ولكن أكثرهم فاسقون لأنهم لا يأمرون بالمعروف و لاينهون عن المنكر، و قليلي الإيمان و الصلابة أي قوة الإيمان، أي أن إيمانهم ضعيف مثل بعض الأمم تأخذ من إسلامهم فقط أسم الإسلام و الإيمان و لكنهم ليس لديهم أي إلتزامات دينية.
ولو سأل سائل عن ملك سليمان الذي أعطي بعد دعاء سليمان {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}(5) أوليس قد أعطي أفضل من النبي صلى الله عليه و آله، يجيب على هذا السؤال الإمام علي عليه السلام حين سأله اليهودي.

قال له اليهودي: فإن هذا سليمان أعطي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده؟
فقال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا إنه هبط إليه ملك لم يهبط إلى الأرض قبله، وهو: ميكائيل فقال له: يا محمد عش ملكا منعما وهذه مفاتيح خزائن الأرض معك، ويسير معك جبالها ذهبا وفضة، ولا ينقص لك مما ادخر لك في الآخرة شئ، فأومى إلى جبرئيل – وكان خليله من الملائكة – فأشار عليه، أن تواضع فقال له: بل أعيش نبيا عبدا آكل يوما ولا آكل يومين، والحق بإخواني من الأنبياء فزاده الله تبارك وتعالى الكوثر، وأعطاه الشفاعة، وذلك أعظم من ملك الدنيا من أولها إلى آخرها سبعين مرة، ووعده المقام المحمود، فإذا كان يوم القيامة أقعده الله عز وجل على العرش، فهذا أفضل مما أعطي سليمان.(6)
—————————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- البقرة : 47،48.

2- آل عمران: 110.

3- نفس المصدر.

4- نفس المصدر.

5- ص : 35.

6- الاحتجاج – الشيخ الطبرسي – ج 1 – الصفحة 327.

ربَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين

الحلقة الثالثة عشر
بسم الله الرحمن الرحيم

{ربَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

اختلف المفسرون في تفسير معنى الأعراف، هل هو موضع مرتفع بين الجنة والنار، ويشرف على كل منهما، أما هو صراط ينتظر فيه عصاة المؤمنين، المتفق عليه هو موضع بين الجنة والنار لأناس تنتظر دخول الجنة بشفاعة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام.
روي عن الامام الصادق عليه السلام قال: إن الأعراف كثبان بين الجنة والنار.
فكان الدعاء في هذه الآية الكريمة ، حيث تحدثت عن أمر يحدث يوم القيامة، فتضمن الدعاء أبعاد عن الخلق وكل خفايا كانت ببواطن الإنسان في كل أفعاله، ونتيجة الظلم للنفس والآخرين العاقبة السيئة التي أوردتهم النار، وحرصاً منهم بعدم دخول النار توجه النداء إلى الله أن لايكونوا مع القوم الظالمين.
وقد تحدث القرآن الكريم في كثير من آياته المباركة عن الظالمين، ففي قصة موسى وهارون وعبادة القوم للعجل، وقوم نوح، دلالة محكمة من الله وفي ذلك قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ}.
وردت الأحاديث الشريفة عن أهل البيت عليهم، في معنى الظلم للنفس، والظلم للغير، روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قال: ظلم نفسه من عصى الله وأطاع الشيطان.
وأما الظلم للغير وهو من أشد ما يمر على الناس، وقد ذكرهم الله تعالى، وتوعدهم الخلود في جهنم.
روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال:
للظالم ثلاث علامات : يقهر من دونه بالغلبة ، ومن فوقه بالمعصية ، ويظاهر الظلمة.

{إِنَّ الْقَوْمَ اسْـتَضْعَفُونِي‌ وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي‌}، هذه الآية نُطِق بها عند اسـتضعاف‌ أميرالمؤمنين‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ بعد وفاة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، إذ كان‌ الرسول‌ الأعظم‌ قد أوصاه‌ قائلاً: أنت‌ خليفتي‌ من‌ بعدي‌ في‌ أُمّتي‌؛ لاتشهر سيفك‌ اذا لم تجد أنصارا ،‌ واصبر عند انحراف‌ الطريق‌! لأنّك‌ منّي‌ كهارون‌ من‌ موسي‌، وهارون‌ عليه السلام لم‌ يشهر سيفه‌ حفظاً لكيان‌ رسالة‌ أخيه‌ موسي‌ عليه السلام.

يروى عن الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) هذه الرواية الشريفة وهي واحدة من الآلاف التي جاءت عن الحبيب المصطفى (صلى اله عليه واله) بحق ابن عمه وأخيه وصهره ووزيره الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهي رواية يجب أن تستوقفنا طويلاً لنستلهم منها الدروس والعبر، وهي ما روي عن إبراهيم بن أبي حمود عن الإمام الرضا(عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (يا علي؛ أنت المظلوم من بعدي فويل لمن ظلمك واعتدى عليك، وطوبى لمن تبعك ولم يختر عليك.
وواجه‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام انحراف‌ واعوجاج‌ حملة‌ لواء الاعوجاج‌ والانحراف‌ بعد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، وتحمّل‌ من‌ المصائب‌ أضعاف‌ ما تحمّله‌ هارون‌، ونهض‌ السامري‌ّ وعجله‌ أمام‌ القرآن‌ والسنّة‌ ومنهاج‌ رسول‌ الله‌ صلى الله عليه وآله ووصيّته‌ لجميع‌ الاُمّة‌ بخلافته‌ المباشرة‌ بلا فصل‌، وجرّا إلیهما أكثريّة‌ الاُمّة‌ من‌ الهَمَجِ الرَّعَاعِ، واقتادا علیاً إلی‌ المسجد كالجمل‌ المخشوش، ووقفا أمامه‌ بسيفين‌ مسلولين‌ ليسلّم‌! ويبايع‌! ويؤيّد حكومتهم‌! وينضوي‌ هو وأصحابه‌ وأهل‌ بيته‌ عليهم السلام تحت‌ راية‌ هذا الخليفة‌ المنتخب‌، بل‌ المنصوب‌ بالمكر والخديعة‌! وما أُقيم‌ وزن‌ للعلم‌ والشرف‌، والفضيلة‌، والسبق‌ إلی‌ الإسلام‌، وسابقة‌ الجهاد، والهجرة‌، والوصاية‌ علی‌ الخلافة‌، والاعلميّة‌ بالكتاب‌ والسنّة‌، وأُخوّة‌ رسول‌الله‌ له‌، وحديث‌ المنزلة‌، وحديث‌ الولاية‌، وحديث‌ الثقلين‌، وسائر الأحاديث‌ المأثورة‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلى الله عليه وآله وسلم في‌ مواطن‌ ومقامات‌ عديدة‌، ولا قيمة‌ لهذه‌ المناقب‌ كلّها في‌ عرفهم‌، وما من‌ أحد يثمّنها في‌ هذه‌ المعمعة‌ والجلبة‌، ولا توجد إلاّ مسألة‌ واحدة‌ فحسب‌، وهي‌: إن‌ لم‌ تبايع‌، وتسلّم‌ لهذا الخليفة‌ في‌ فكرك‌ وإرادتك‌ واختيارك‌ وكلّ ما تملكه‌ في‌ الوجود، فإنّا نقتلك‌! ونفصل‌ رأسك‌ عن‌ بدنك‌ بهذا السيف‌.

روي في الخرائج والجرائح: إنّ أعرابيّاً أتى أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو في المسجد، فقال: مظلوم! قال: ادنُ منّي. فدنا فقال: يا أمير المؤمنين مظلوم! قال: ادُن. فدنا حتى وضع يديه على ركبتيه، قال: ما ظلامتك؟ فشكا ظلامته. فقال: يا أعرابيّ أنا أعظم ظلامةً منك؛ ظلمني المدر والوبر، ولم يبقَ بيت من العرب إلّا وقد دخلت مظلمتي عليهم، وما زلت مظلوماً حتى قعدت مقعدي هذا.
بيان المقصر في حق المظلوم الحقيقي الذي أرادنا الله أن نتبعه فنكون في الجنة عوضا عن النار، ومن هم رجال الأعراف الحقيقيين محمد وآل محمد عليهم السلام، فهذا الامام المظلوم يكرر ما لاقى من ظلم من الظالمين له : اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ وَ مَنْ أَعَانَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمِي وَ أَكْفَئُوا إِنَائِي وَ أَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي حَقّاً كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِي، وَ قَالُوا: أَلاَ إِنَّ فِي اَلْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ وَ فِي اَلْحَقِّ أَنْ تَمْنَعَهُ فَاصْبِرْ مَغْمُوماً أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي رَافِدٌ وَ لاَ ذَابٌّ وَ لاَ مُسَاعِدٌ إِلاَّ أَهْلَ بَيْتِي فَضَنَنْتُ بِهِمْ عَنِ اَلْمَنِيَّةِ فَأَغْضَيْتُ عَلَى اَلْقَذَى وَ جَرِعْتُ رِيقِي عَلَى اَلشَّجَا وَ صَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ اَلْغَيْظِ عَلَى أَمَرَّ مِنَ اَلْعَلْقَمِ وَ آلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ وَخْزِ اَلشِّفَارِ.
وقد تضمنت هذه الآية الكريمة فوائد:

أهمّية الدعاء، فلا غِنى للخلائق عنه حتى في الدار الآخرة، من استجلب النعم، ودفع النقم بمثله.

ينبغي الإكثار من هذه الدعوة المهمّة؛ لأنّها تضمّنت الاستعاذة من أسوأ الخصال التي تورد سوء المآل، الا وهي الكون مع الظالمين.
ونحن في أيام البيض من شهر رمضان المبارك، نرفع أيدينا بالدعاء أن لا نكون من الظالمين، اللهم وعرفنا نبيك وآل نبيك عليه وعليهم السلام يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم العطش الاكبر.
وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين.

التطبيق الخامس عشر

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد
الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

التطبيق الخامس عشر

وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ۞ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)

خطاب الله عز و جل بالرحمة التعلمية و كمية الأوامر المنقذة و المعالجة لمرض الخشونة و العناد و قساوة القلب التي سببها كثرة الذنوب التي تبعد الإنسان عن الثبات في الدين و حسن الخاتمة .

هذا التزلزل الديني ليست اليهود معرضة له وهم الذين كانوا يهيئون لظهور خاتم الأنبياء صلوات الله عليه و على آل بيته فحسب بل نحن أيضا معرضون له حين ظهور قائم آل محمد عجل الله فرجه الشريف.

و بعد ظهور النبي صلى الله عليه و آله رغم وجود كل المعلومات السابقة و الدلائل على نبوة محمد صلى الله عليه وآله و إمامة علي عليه السلام جحدوا بالنبوة و الولاية، رغم انه ليست لديهم الدلائل السابقة فحسب بل خطاب النبي صلى الله عليه وآله لهم ، و تذكيرهم، و إقامة البرهان عليهم، رغم ذلك جحدوا النبوة و الإمامة، وجحدوا البرهان وبما أتى به من معجزات على نبوته، لدرجة انهم شهدت لهم حتى إيديهم و أرجلهم و صحفهم بالنطق بإذن الله، شهدت لهم إن الذي أمامكم هو النبي الخاتم مع وصيه، مع ذلك جحدوا.
كان من ضمن كمية الخطابات بعد البرهان، الإعجاز النبوي، خطاب الرحمة الإلهية، للإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه و آله التي هي: {وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ } وليس هذا التنزيل بجديد، بل هو مطابق لما معكم، ومع ذلك غرت الدنيا من لديهم عصب الحياة، و هو المال الذي يستلموه من الناس لتقويم الدين، صار هو السبب الذي يجعلهم من مرحلة التقويم إلى اللا دين {ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ } .

الله سبحانه ينزل كمية من الأوامر و النواهي لعلاج قلب في داخله فطرة الإيمان، و لكن الإرادة الداخلية في الفرد اليهودي آنذاك، و الجمعي، ترفض هذا الإيمان، فقدم الله عزوجل علاجا، ما أن يأتمرالفرد بأوامره وينتهي بنواهيه يدخله من ظلمات العناد و القساوة إلى نور الهداية .

هذا الخطاب ليس لليهود فقط هو خطاب لنا بالرحمة التعلمية و الوقائية، فإيماننا لابد له من الإذعان للحقائق، و لا دخل للبس الحق بالباطل {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (42) و بالالتزام بالصلاة و الزكاة التي بها تلين قلوبنا، بالإيمان بظهور صاحب الزمان {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ }(43)، فالصبر و الصلاة كل منهما مكمل للآخر {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (45)، تعيننا على إبتلاءات هذه الدنيا، و المحافظة على القلب الذي ينصر أهل بيته مع قائم آل محمد، فابتعادنا عن نواهي الله و العمل بأوامره هو الرحمة التي يمكن بها ان نقوي قلوبنا، و حين الظهور نؤمن بصاحب العصر و الزمان عجل الله فرجه بها .

و من جهة أخرى الالتزام بالأوامر و ترك النواهي كي نحافظ على عقولنا ، فلا نلبس الحق بالباطل، فمن يدعي المهدوية و هو ليس على حق لا ندخل معه في هذا الطريق .

نعم اليهود يؤمنون بالمعاد و هو اليوم الآخر، و فيه الله عزوجل يعطي كل ذي حق حقه، فمن كفر وجحد إلى جهنم و من آمن فهو جنة النعيم، حتى جاء خاتم الأنبياء وخاتم الأديان .

قوله تعالى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)
بالالتزام و ترك النواهي و العناد يصبون إلى ما يرجون من ربهم، وهي جنة النعيم، و عدم ذلك جهنم وبئس المصير، وهذا تبشير و تنذير، وإرادتنا هي من تحدد المصير.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ

الحلقة الثانية عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

هذا الدعاء ورد في سورة الأعراف المباركة وهي من السور المكية، وسميت بهذا الأسم من قوله تعالى:{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ}.
ومعنى الأعراف هي الأماكن المرتفعة، ويتلخص ماحوته هذه السورة المباركة أنها تحدثت عن المبدأ والمعاد، وإثبات التوحيد والقيامة وأيضاً عن كيفية إحياء شخصية الإنسان، وشرح قصة خلق النبي آدم عليه السلام، وعن المواثيق التي أخذها الله تعالى من ذريته، وعن قصص الأنبياء السابقين نوح ولوط وشعيب عليهم السلام، وقصة بني إسرائيل وجهاد النبي موسى عليه السلام ضد فرعون.

روي عن الامام أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قال: جَاءَ اِبْنُ اَلْكَوَّاءِ إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ عَلَى اَلْأَعْرٰافِ رِجٰالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمٰاهُمْ .
فَقَالَ عليه السلام: نَحْنُ عَلَى اَلْأَعْرَافِ نَعْرِفُ أَنْصَارَنَا بِسِيمَاهُمْ وَ نَحْنُ اَلْأَعْرَافُ اَلَّذِينَ لاَ يُعْرَفُ اَللَّهُ إِلاَّ بِسَبِيلِ مَعْرِفَتِنَا وَ نَحْنُ اَلْأَعْرَافُ يُعَرِّفُنَا اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عَلَى اَلصِّرَاطِ اَلنَّاسَ فَلاَ يَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ عَرَفَنَا وَ عَرَفْنَاهُ وَ لاَ يَدْخُلُ اَلنَّارَ إِلاَّ مَنْ أَنْكَرَنَا وَ أَنْكَرْنَاهُ إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَوْ شَاءَ لَعَرَّفَ اَلْعِبَادَ نَفْسَهُ وَ لَكِنْ جَعَلَنَا أَبْوَابَهُ وَ صِرَاطَهُ وَ سَبِيلَهُ وَ وَجْهَهُ اَلَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ فَمَنْ عَدَلَ عَنْ وَلاَيَتِنَا وَ فَضَّلَ عَلَيْنَا غَيْرَنَا فَإِنَّهُمْ عَنِ اَلصِّرٰاطِ لَنٰاكِبُونَ.

هذا الدعاء في هذه الآية الكريمة من دعاء أبوينا آدم وحواء عليهما السلام، فهذه الدعوات العظيمة المهمة بما حوته من عظيم المقاصد والمدلولات الجليلة في كيفية التوبة والأوبة من الذنوب والمعاصي، فذكرها ربنا الكريم، لتكون لنا نبراساً وهدياً مستقيماً، نستهل به دعاءنا في دار الدنيا.
معرفة العبد حقيقة ما جرى مع أبوينا عليهما السلام من اكتشاف كيد الشيطان لهما ليخرجهما من نعيم الله الأبدي بمكره الشيطاني، يعلم العبد أن عدوه الشيطان في هذه الدنيا، وسيحاول أن يخرجه من صراط الحق إلى برانسه الشيطانية نعوذ بالله منه.
ومما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قصتهما عليهما السلام قال:

إِنَّمَا کَانَ لَبِثَ آدَمُ وَ حَوَّاءُ (علیها السلام) فِی الْجَنَّهًِْ حَتَّی خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَ سَاعَاتٍ مِنْ أَیَّامِ الدُّنْیَا حَتَّی أَکَلَا مِنَ الشَّجَرَهًِْ فَأَهْبَطَهُمَا اللَّهُ إِلَی الْأَرْضِ مِنْ یَوْمِهِمَا ذَلِك قَالَ فَحَاجَّ آدَمُ (علیه السلام) رَبَّهُ فَقَالَ یَا رَبِّ أَرَأَیْتُك قَبْلَ أَنْ تَخْلُقَنِی کُنْتَ قَدَّرْتَ عَلَیَّ هَذَا الذَّنْبَ وَ کُلَّ مَا صِرْتُ وَ أَنَا صَائِرٌ إِلَیْهِ أَوْ هَذَا شَیْءٌ فَعَلْتُهُ أَنَا مِنْ قَبْلُ لَمْ تُقَدِّرْهُ {قَبْلِ أَنْ تُقَدِّرَهُ} عَلَیَّ غَلَبَتْ عَلَیَّ شِقْوَتِی فَکَانَ ذَلِك مِنِّی وَ فِعْلِی لَا مِنْك وَ لَا مِنْ فِعْلِك قَالَ لَهُ یَا آدَمُ (علیه السلام)
أَنَا خَلَقْتُك وَ عَلَّمْتُك أَنِّی أُسْکِنُك وَ زَوْجَتَك الْجَنَّهًَْ وَ بِنِعْمَتِی وَ مَا جَعَلْتُ فِیکَ مِنْ قُوَّتِی قَوِیتَ بِجَوَارِحِك عَلَی مَعْصِیَتِی وَ لَمْ تَغِبْ عَنْ عَیْنِی وَ لَمْ یَخْلُ عِلْمِی مِنْ فِعْلِك وَ لَا مِمَّا أَنْتَ فَاعِلُهُ قَالَ آدَمُ (علیه السلام) یَا رَبِّ الْحُجَّهًُْ لَك عَلَیَّ… یَا آدَمُ (علیه السلام) أَلَمْ أَنْهَك عَنِ الشَّجَرَهًِْ وَ أُخْبِرْك أَنَّ الشَّیْطَانَ عَدُوٌّ لَك وَ لِزَوْجَتِك وَ أُحَذِّرْکُمَا قَبْلَ أَنْ تَصِیرَا إِلَی الْجَنَّهًِْ وَ أُعَلِّمْکُمَا أَنَّکُمَا إِنْ أَکَلْتُمَا مِنَ الشَّجَرَهًِْ کُنْتُمَا ظَالِمَینِ لِأَنْفُسِکُمَا عَاصِیَیْنِ لِی یَا آدَمُ (علیه السلام) لَا یُجَاوِرُنِی فِی جَنَّتِی ظَالِمٌ عَاصٍ لِی قَالَ فَقَالَ بَلَی یَا رَبِّ الْحُجَّهًُْ لَك عَلَیْنَا ظَلَمَنَا أَنْفُسَنَا وَ عَصَیْنَا وَ إِلَّا تَغْفِرْ لَنَا وَ تَرْحَمْنَا نَکُنْ مِنَ الْخَاسِرِینَ قَالَ فَلَمَّا أَقَرَّا لِرَبِّهِمَا بِذَنْبِهِمَا وَ أَنَّ الْحٌجَّهًَْ مِنَ اللَّهِ لَهُمَا تَدَارَکَهُمَا رَحْمَهًُْ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ فَتَابَ عَلَیْهِمَا رَبُّهُمَا إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِیمُ.

يتعلم العبد المذنب كيفية الرجوع إلى الله بالتوبة إليه ، وروي عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) أنه كان يقال: من أحب عباد الله إلى الله المحسن التواب.
تضمنت هذه الآية الكريمة فوائد:

  • إن تقديم الاعتراف بالخطأ، وظلم النفس قبل طلب المغفرة هو أرجى في قبول المغفرة والإجابة.
  • جمع هذا الدعاء المبارك، أربعة أنواع من التوسّل:
    الأول: التوسّل بالربوبية (ربنا).
    الثاني: التوسّل بحال العبد: (ظلمنا أنفسنا).
    الثالث: تفويض الأمر إلى اللَّه جلّ وعلا: وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا.
    الرابع: ذكر حال العبد إذا لم تحصل له مغفرة اللَّه ورحمته{لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
  • إنّ الدعاء ملجأ جميع الأنبياء والمرسلين، وأنه لاغنى لأحد عنه من الخلق أجمعين.
    ونحن في هذه الأيام المباركة نعترف لله بظلمنا لأنفسنا ونطلب منه المغفرة والرحمة، لكي لا نكون من الخاسرين في عتقنا من النار في هذا الشهر الفضيل، اللهم اجعلنا من عتقائك من النار بحق محمد وآله الأطهار.
    وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين.

رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ

الحلقة الحادية عشر
بسم الله الرحمن الرحيم

{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ* رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

في هذه الآية الكريمة من أجمل صيغ الدعاء التي يتلوها العبد في الأوقات التي يأمل فيها التقرب من الله، وتختصر له مسافة التقرب في المناجاة التي تدل في معانيها على الإخلاص لكل ما جاء من عنده.

ان الله وعدَ عباده المؤمنين وعوداً حسنةً على ألسنة رسله بشروطٍ لا يعلم قيامَهم بِها على وجهها غيرُه، فالدعاء للتجاوز والعفو عن التقصير.
إن في الدعاء بهذا كمال تضرع بين يدي الكريم بذكر كرمه ووعده الحسن بالمغفرة، والله رب العالمين الذي هو أكرم الأكرمين ويحب المتضرعين المتذللين بين يديه المعترفين بان ماسمعوه من نداء النبي صلى الله عليه وآله ، للإيمان الحقيقي ،هو التوحيد لله وبرسوله وبوصيه.
فكان النداء الحقيقي في هذه الآية هي للولاية التي أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله ببيانها للمسلمين، فعندها يجب على كل مسلم عرف الحق فأراد أن يتبعه .
واقول يا رب وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك وأشهد ان عليا أمير المؤمنين ووليهم ومولاهم ومولاي، ربنا اننا سمعنا النداء وصدقنا المنادي رسولك صلى الله عليه وآله وسلم إذ نادى بنداء عنك بالذي أمرته أن يبلغ عنك ما أنزلت إليه من موالاة ولي المؤمنين، وحذرته وأنذرته إن لم يبلغ أن تسخط عليه، وأنه إذا بلغ رسالتك عصمته من الناس فنادى مبلغا وحيك ورسالاتك ألا من كنت مولاه فعلي مولاه ومن كنت وليه فعلى وليه، من كنت نبيه فعلي أميره.

روي عنهم عليهم السلام: “أن هذه الآيات التي في أواخر آل عمران نزلت في علي (عليه السلام) وفي جماعة من أصحابه، وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما أمره اللّه تعالى بالمهاجرة الى المدينة بعد موت عمه أبي طالب (رحمة الله عليه)، وكان قد تحالفت عليه قريش بأن يكبسوا عليه ليلاً وهو نائم، فيضربوه ضربة رجل واحد، فلم يُعلم من قاتله، فلا يؤخذ بثاره، فأمر اللّه بأن يبيّت مكانه ابن عمه علياً (عليه السلام)، ويخرج ليلاً الى المدينة، ففعل ما أمره اللّه به، وبيّت مكانه على فراشه علياً (عليه السلام)، وأوصاه أن يحمل أزواجه الى المدينة، فجاء المشركون من قريش لما تعاقدوا عليه وتحالفوا، فوجدوا علياً (عليه السلام) مكانه فرجعوا القهقري، وأبطل اللّه ما تعاقدوا عليه وتحالفوا.
ثم إن علياً (عليه السلام) حمل أهله وأزواجه الى المدينة فعلم أبو سفيان بخروجه وسيره الى المدينة فتبعه ليردهم، وكان معهم عبدٌ له أسود، فيه شِدة وجرأة في الحرب، فأمره سيّده أن يلحقه فيمنعه عن المسير حتى يلقاه بأصحابه، فلحقه، فقال له: لا تسر بمن معك الى أن يأتي مولاي.
فقال (عليه السلام) له: ويلك، ارجع الى مولاك وإلا قتلتك.
فلم يرجع، فرفع علي (عليه السلام) سيفه وضربه، فأبان عنقه عن جسده، وسار بالنساء والأهل، وجاء أبو سفيان فوجد عبده مقتولاً، فتبع علياً (عليه السلام) وأدركه، فقال له: يا علي، تأخذ بنات عمنا من عندنا من غير إذننا، وتقتل عبدنا، فقال: أخذتهم بإذن مَن له تفلحون.

تضمنت هذه الآية الكريمة فوائد:

  • ان كلمة (ربنا ) جاءت خمس مرات في هذه الآيات، لإظهار كمال الضراعة والابتهال.
  • سَمِعْنَا مُنَادِيًا وهو الرسول صلى الله عليه وآله للإيمان الحقيقي المطلوب من المؤمنين.
  • ان قوله تعالى ينادي: اي يبلغ الناس، وبقدر استطاعته ليوصل صوته ودعوته إلى القاصي والداني، للإيمان بالله وبما أراده من معرفة طريق الحق .
  • ان العبد لا ينفك يدعو الله ويتضرع اليه ان يغفر له لأن الأمور بيده عز وجل.
  • ان وعد الله حق وهو لا يخلف وعده للمؤمنين.
    ونحن في هذه الأيام المباركة ندعو الله ان يجعلنا من المتمسكين بولاية محمد وال محمد و العارفين بنداء نبيه صلى الله عليه وآله من الحق، وأن يتوفنا مع الأبرار ويحشرنا مع محمد وال محمد يوم القيامة.
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

الحلقة العاشرة

بسم الله الرحمن الرحيم

{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

الدعاء في هذه الآية الكريمة المباركة من لسان أهل الإيمان، فينبغي للعبد أن يقف رويداً عندها بالتأمل والتدبر بما حوته من عظيم المنافع في مسائل الإيمان، من الذكر أولاً، ثم إلى الفكر ثانياً لأن ذكر لله وحده لا يكفي، وإنما يعطي ثماره القيمة إذا كان مقترناً بالفكر، والتفكر وحده لا يجدي ولا يوصل إلى النتيجة المطلوبة ما لم تقترن عملية التفكر بعملية الذكر.
ومثال ذلك: نرى كثيراً من علماء الفلك والفضاء يقفون في تحقيقاتهم على مظاهر رائعة من النظام الكوني البديع، ولكنهم حيث لا يتذكرون الله ولا ينظرون إلى كل هذه المظاهر بمنظار الموحد الفاحص، تكون النتيجة لتلك التحقيقات من الزاوية العلمية المجردة البحتة.

التفكر يترك عند العبد المؤمن وعياً خاصاً وآثارا عظيمة في عقله، وأول تلك الآثار هو الانتباه إلى هدفية الخلق وعدم العبثية فيه، وأنه مخلوق لهدف ومصنوع لغاية، وذلك لقوله تعالى{فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ}، فكل شيء مخلوق لغاية، ومجعول لهدف.
روي عن الإمام أبي جعفر عليه السلام: لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له: أقبل ،فأقبل، ثم قال له: ” أدبر ” فأدبر، ثم قال له: ” وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك، ولا أكملك إلا فيمن أحب، أما إني إياك آمر وإياك أنهى، وإياك أعاقب وإياك أثيب.

فإن صاحب العقل السليم الواعي بعد أن يتعرف بالهدفية في الخليقة يتذكر نفسه فوراً، وكيف أنه أتى إلى هذه الحياة لا عن عبث، وليس الهدف سوى تربيته وتكامله، ولا لأجل أن يعيش في الحياة أياماً سرعان ما تفنى وتنقضي، فذلك أمر لا يستحق كل هذا العناء والتعب بل يفرق بين الحكمة العليا لله من وجوده خلال أعماله فإن خيراً فخير وإن شراً فشر، لدار أخرى تنتظره فينتبه إلى مسؤولياته ويسأل الله التوفيق.

عن الحسن الصيقل قال: قلت للإمام أبي عبد الله عليه السلام: تفكر ساعة خير من قيام ليلة؟ قال عليه السلام: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: تفكر ساعة خير من قيام ليلة، قلت: كيف يتفكر؟ قال عليه السلام: يمر بالدار والخربة، فيقول: أين بانوك ؟ أين ساكنوك ؟ ما لك لا تتكلمين.
وروي عن الامام أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: نبه بالتفكر قلبك، وجاف عن الليل جنبك، واتق الله ربك.
ومما نقل عندما سئل الشيخ الأنصاري قدس سره عن حديث تفكر ساعة خير من عبادة ليلة، قال رحمه الله: إن المصداق العملي لها هو تفكر الحر الرياحي في ليلة عاشوراء.
وهذه الواقعة كانت لها آثار عظيمة ودرس لكل عبد في معنى التفكر الحقيقي، قال المعلم الأكبر الشيخ المفيد ” ره “: فلما رأى الحر بن يزيد أن القوم قد صمموا على قتال الحسين عليه السلام قال:لعمر بن سعد، أي عمر أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال: إي والله قتالا شديدا أيسره أن تسقط الرؤوس، وتطيح الأيدي، قال: أفمالكم فيما عرضه عليكم رضى، قال عمر: أما لو كان الامر إلي لفعلت، ولكن أميرك قد أبى، فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال له: قرة بن قيس، فقال له: يا قرة هل سقيت فرسك اليوم؟ قالا: لا، قال: فما تريد أن تسقيه؟ قال قرة: فظننت والله أنه يريد أن يتنحى ولا يشهد القتال، فكره أن أراه حين يصنع ذلك، فقلت له، لم أسقه وأنا منطلق فأسقيه فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه، فوالله لو أنه أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين عليه السلام.
فأخذ يدنو من الحسين عليه السلام قليلا قليلا، فقال له المهاجر بن أوس، ما تريد يا بن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فلم يجبه فأخذه مثل الأفكل وهي الرعدة، فقال له المهاجر: إن أمرك لمريب، والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا، ولو قيل لي: من أشجع [أهل] الكوفة؟ لما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟ فقال له الحر: إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار، فوالله لا أختار على الجنة شيئا ولو قطعت وأحرقت.
ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين عليه السلام فقال له: جعلت فداك يا بن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان، وما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضته عليهم، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، والله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت مثل الذي ركبت، وأنا تائب إلى الله مما صنعت، فترى لي من ذلك توبة؟ فقال له الامام الحسين عليه السلام: نعم يتوب الله عليك فأنزل، فقال: أنا لك فارسا خير مني راجلا، أقاتلهم [لك] على فرسي ساعة، وإلى النزول [ما] يصير آخر أمري، فقال له الحسين عليه السلام: فاصنع يرحمك الله ما بدا لك.
وهذه الواقعة تعطي العبد في التفكر الحقيقي فتنطوي عليها جملة وما للظالمين من أنصار.
إن العقلاء يقفون على هذه الحقيقة بعد التعرف على الأهداف المطلوبة منهم وهي: أن الوسيلة الوحيدة لنجاح العبد ونجاته هي أعماله وممارساته التي يختزنها لدار الآخرة؛ وبعد التعرف على الهدف والغاية من الخلق فإن هذا الطريق الوعر لا يجب أن يسلكه أحد بدون الهداة الإلهيين، الذين يدعوه إلى الإيمان بصدق وإخلاص ليقوى خوف العبد من النار فيتمسك بالوسيلة إلى الله التي فرضها عليهم وأعطاهم الحجج عليها كالولاية لمحمد وآل محمد عليهم السلام.

تضمنت هذه الآية الكريمة فوائد جليلة:

  • الحث على التأمل في خلق السموات والأرض، لأن الله تعالى ذكر فيهما آيات.
  • إن التأمل في خلق الله تعالى يثمر حسن العبادة: من الذكر والفكر والتضرع والدعاء وزيادة الإيمان.
  • إن التأمل الحقيقي يعرفه العبد من خلال الأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، لمعرفة الطرق الصحيحة في تفكره.
  • إن التأمل يعطي العبد أي طريق سيسلك والوسيلة التي يتخذها ليصل إلى مبتغاه في العبادة.
    ونحن في هذه الأيام المباركة ندعو الله أن يجعلنا من عباده الذين ذكروا وتفكروا في الخلق فحسنت سرائرهم وقوي ايمانهم.
    وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.