- الليلة الثامنة والعشرون - 29 مارس,2025
- الليلة السابعة والعشرون - 28 مارس,2025
الحلقة الثانية عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
هذا الدعاء ورد في سورة الأعراف المباركة وهي من السور المكية، وسميت بهذا الأسم من قوله تعالى:{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ}.
ومعنى الأعراف هي الأماكن المرتفعة، ويتلخص ماحوته هذه السورة المباركة أنها تحدثت عن المبدأ والمعاد، وإثبات التوحيد والقيامة وأيضاً عن كيفية إحياء شخصية الإنسان، وشرح قصة خلق النبي آدم عليه السلام، وعن المواثيق التي أخذها الله تعالى من ذريته، وعن قصص الأنبياء السابقين نوح ولوط وشعيب عليهم السلام، وقصة بني إسرائيل وجهاد النبي موسى عليه السلام ضد فرعون.
روي عن الامام أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قال: جَاءَ اِبْنُ اَلْكَوَّاءِ إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ عَلَى اَلْأَعْرٰافِ رِجٰالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمٰاهُمْ .
فَقَالَ عليه السلام: نَحْنُ عَلَى اَلْأَعْرَافِ نَعْرِفُ أَنْصَارَنَا بِسِيمَاهُمْ وَ نَحْنُ اَلْأَعْرَافُ اَلَّذِينَ لاَ يُعْرَفُ اَللَّهُ إِلاَّ بِسَبِيلِ مَعْرِفَتِنَا وَ نَحْنُ اَلْأَعْرَافُ يُعَرِّفُنَا اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عَلَى اَلصِّرَاطِ اَلنَّاسَ فَلاَ يَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ عَرَفَنَا وَ عَرَفْنَاهُ وَ لاَ يَدْخُلُ اَلنَّارَ إِلاَّ مَنْ أَنْكَرَنَا وَ أَنْكَرْنَاهُ إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَوْ شَاءَ لَعَرَّفَ اَلْعِبَادَ نَفْسَهُ وَ لَكِنْ جَعَلَنَا أَبْوَابَهُ وَ صِرَاطَهُ وَ سَبِيلَهُ وَ وَجْهَهُ اَلَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ فَمَنْ عَدَلَ عَنْ وَلاَيَتِنَا وَ فَضَّلَ عَلَيْنَا غَيْرَنَا فَإِنَّهُمْ عَنِ اَلصِّرٰاطِ لَنٰاكِبُونَ.
هذا الدعاء في هذه الآية الكريمة من دعاء أبوينا آدم وحواء عليهما السلام، فهذه الدعوات العظيمة المهمة بما حوته من عظيم المقاصد والمدلولات الجليلة في كيفية التوبة والأوبة من الذنوب والمعاصي، فذكرها ربنا الكريم، لتكون لنا نبراساً وهدياً مستقيماً، نستهل به دعاءنا في دار الدنيا.
معرفة العبد حقيقة ما جرى مع أبوينا عليهما السلام من اكتشاف كيد الشيطان لهما ليخرجهما من نعيم الله الأبدي بمكره الشيطاني، يعلم العبد أن عدوه الشيطان في هذه الدنيا، وسيحاول أن يخرجه من صراط الحق إلى برانسه الشيطانية نعوذ بالله منه.
ومما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قصتهما عليهما السلام قال:
إِنَّمَا کَانَ لَبِثَ آدَمُ وَ حَوَّاءُ (علیها السلام) فِی الْجَنَّهًِْ حَتَّی خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَ سَاعَاتٍ مِنْ أَیَّامِ الدُّنْیَا حَتَّی أَکَلَا مِنَ الشَّجَرَهًِْ فَأَهْبَطَهُمَا اللَّهُ إِلَی الْأَرْضِ مِنْ یَوْمِهِمَا ذَلِك قَالَ فَحَاجَّ آدَمُ (علیه السلام) رَبَّهُ فَقَالَ یَا رَبِّ أَرَأَیْتُك قَبْلَ أَنْ تَخْلُقَنِی کُنْتَ قَدَّرْتَ عَلَیَّ هَذَا الذَّنْبَ وَ کُلَّ مَا صِرْتُ وَ أَنَا صَائِرٌ إِلَیْهِ أَوْ هَذَا شَیْءٌ فَعَلْتُهُ أَنَا مِنْ قَبْلُ لَمْ تُقَدِّرْهُ {قَبْلِ أَنْ تُقَدِّرَهُ} عَلَیَّ غَلَبَتْ عَلَیَّ شِقْوَتِی فَکَانَ ذَلِك مِنِّی وَ فِعْلِی لَا مِنْك وَ لَا مِنْ فِعْلِك قَالَ لَهُ یَا آدَمُ (علیه السلام)
أَنَا خَلَقْتُك وَ عَلَّمْتُك أَنِّی أُسْکِنُك وَ زَوْجَتَك الْجَنَّهًَْ وَ بِنِعْمَتِی وَ مَا جَعَلْتُ فِیکَ مِنْ قُوَّتِی قَوِیتَ بِجَوَارِحِك عَلَی مَعْصِیَتِی وَ لَمْ تَغِبْ عَنْ عَیْنِی وَ لَمْ یَخْلُ عِلْمِی مِنْ فِعْلِك وَ لَا مِمَّا أَنْتَ فَاعِلُهُ قَالَ آدَمُ (علیه السلام) یَا رَبِّ الْحُجَّهًُْ لَك عَلَیَّ… یَا آدَمُ (علیه السلام) أَلَمْ أَنْهَك عَنِ الشَّجَرَهًِْ وَ أُخْبِرْك أَنَّ الشَّیْطَانَ عَدُوٌّ لَك وَ لِزَوْجَتِك وَ أُحَذِّرْکُمَا قَبْلَ أَنْ تَصِیرَا إِلَی الْجَنَّهًِْ وَ أُعَلِّمْکُمَا أَنَّکُمَا إِنْ أَکَلْتُمَا مِنَ الشَّجَرَهًِْ کُنْتُمَا ظَالِمَینِ لِأَنْفُسِکُمَا عَاصِیَیْنِ لِی یَا آدَمُ (علیه السلام) لَا یُجَاوِرُنِی فِی جَنَّتِی ظَالِمٌ عَاصٍ لِی قَالَ فَقَالَ بَلَی یَا رَبِّ الْحُجَّهًُْ لَك عَلَیْنَا ظَلَمَنَا أَنْفُسَنَا وَ عَصَیْنَا وَ إِلَّا تَغْفِرْ لَنَا وَ تَرْحَمْنَا نَکُنْ مِنَ الْخَاسِرِینَ قَالَ فَلَمَّا أَقَرَّا لِرَبِّهِمَا بِذَنْبِهِمَا وَ أَنَّ الْحٌجَّهًَْ مِنَ اللَّهِ لَهُمَا تَدَارَکَهُمَا رَحْمَهًُْ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ فَتَابَ عَلَیْهِمَا رَبُّهُمَا إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِیمُ.
يتعلم العبد المذنب كيفية الرجوع إلى الله بالتوبة إليه ، وروي عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) أنه كان يقال: من أحب عباد الله إلى الله المحسن التواب.
تضمنت هذه الآية الكريمة فوائد:
- إن تقديم الاعتراف بالخطأ، وظلم النفس قبل طلب المغفرة هو أرجى في قبول المغفرة والإجابة.
- جمع هذا الدعاء المبارك، أربعة أنواع من التوسّل:
الأول: التوسّل بالربوبية (ربنا).
الثاني: التوسّل بحال العبد: (ظلمنا أنفسنا).
الثالث: تفويض الأمر إلى اللَّه جلّ وعلا: وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا.
الرابع: ذكر حال العبد إذا لم تحصل له مغفرة اللَّه ورحمته{لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. - إنّ الدعاء ملجأ جميع الأنبياء والمرسلين، وأنه لاغنى لأحد عنه من الخلق أجمعين.
ونحن في هذه الأيام المباركة نعترف لله بظلمنا لأنفسنا ونطلب منه المغفرة والرحمة، لكي لا نكون من الخاسرين في عتقنا من النار في هذا الشهر الفضيل، اللهم اجعلنا من عتقائك من النار بحق محمد وآله الأطهار.
وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين.