🔴 جديد | مجلة نون النجفية
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
أنْتَ كَهْفِي حِينَ تُعِيينِى الْمَذَاهِبُ فِي سَعَتِهَا، وَتَضِيقُ بي الأَرْضُ بِرُحْبِهَا، وَلَوْلاَ رَحْمَتُكَ لَكُنْتُ مِنَ الْهَالِكِينَ، وَاَنْتَ مُقِيلُ عَثْرَتِي، وَلَوْلاَ سَتْرُكَ إِيَّاىَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَفْضُوحِينَ، وَأنْتَ مُؤَيِّدِي بِالنَّصْرِ عَلى أعْدآئِي، وَلَوْلاَ نَصْرُكَ إيَّاىَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَغْلُوبِينَ.
التَّوكل هو من دلائل الإيمان، وسمات المؤمنين ومزاياهم الرَّفيعة، الباعثة على عزّة نفوسهم، وترفعهم عن استعطاف المخلوقين.
قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
روي عن الإمام أمير المؤمنين على عليه السلام قال: التوكل من قوة اليقين.
رحمات ربي التي أنزلها على جميع مخلوقاته وشمولها العام بعباده ومخلوقاته كريمة. قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأعراف: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ}.
الارتباط بين توكل العبد ورحمة الله لها الأسباب والوسائل الباعثة على تحقيق المنافع، ودرء المضار، وأن يقف المرء إزاء الأحداث والأزمات مكتوف اليدين، فعليه بتوكله على قدرة الله المطلقة أن يرى نفسه فاتحا ومنتصرا، وبهذا الترتيب فالتوكل عامل من عوامل القوة واستمداد الطاقة، التي تكون من رحمة الله بعبده، روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لو تعلمون قدر رحمة الله تعالى لاتكلتم عليها.
التوكل يعني أن يعتقد العبد أنّ الله تعالى قادر على كل شيء، ويطمئن قلبه، ولا يخاف معه من أحد، ولكن ذلك بعد القيام بما ينبغي، والأخذ بالأسباب الطبيعية للأمور، وقد ورد : إنّ قوماً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا نزلت: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}، أغلقوا الأبواب، وأقبلوا على العبادة وقالوا: قد كفينا فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) فأرسل إليهم قال: ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا: یا رسول الله تُكُفّل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة قال: إنّه من فعل ذلك لم يستجب له عليكم بالطلب.
إن تحقيق الله تعالى لغايات العبد، ورغباته، وكفايته في جميع شؤونه رحمة منه عليه وجزاءً على حقِّ توكّله، فيكون الحصول على المنافع في الدنيا والآخرة، ودفع المضار من آثار التوكل بالله والصبر وتحمّل المصاعب والمصائب، والاطمئنان بأقدار الله عز وجل التي تنزل على العباد.
روي عن الإمام محمد الباقر عليه السلام قال: من توكَّل على الله لا يُغلب، ومن اعتصم بالله لا يُهزم.
هذا كله بلحاظ الوضع العام للمتوكل وهو: إعداد العامل الخارجي وضمه الى العامل الباطني وهو الانقطاع الى الله سبحانه والاعتماد عليه لإنجاح السعي وترتب المسبب على سعيه العادي.
مقتضي الإرادة الإلهية والرحمة السماوية حصول المطلوب للمؤمن المتوكل على الله، يروى محمد بن عجلان: نَزَلَت بي فاقة عظيمة، ولزمني دين لغريم ملح وليس لمضيقي صديق، فوجّهت فيه إلى الحسن بن زيد – وكان أمير المدينة – لمعرفة كانت بيني وبينه، فلقيني في طريقي محمد بن عبد الله بن الباقر (عليه السلام)، فقال: قد بلغني ما أنت فيه من الضيق فمن أملت لمضيقك؟
قلت: الحسن بن زيد!
فقال: اذن لا تقضى حاجتك، فعليك بمن هو أقدر الأقدرين وأكرم الأكرمين، فانّي سمعت عمي جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: أوحى الله إلى بعض أنبيائه في بعض وحيه: “وعزّتي وجلالي وعظمتي وارتفاعي لأقطعنّ أمل كل مؤمّل غيري باليأس، ولأكسونّه ثوب المذلّة في الناس، ولأبعدنّه من فَرَجِي وفضلي، أيؤمّل عبدي في الشدائد غيري والشدائد بيدي، ويرجو سواي وأنا الغني الجواد، أبواب الحوائج عندي، وبيدي مفاتيحها وهي مغلقة، فما لي أرى عبدي معرضاً عنّي وقد غطّيته بجودي وكرمي ما لم يسألني، فأعرض عنّي وسأل في حوائجه غيري، وأنا الله لا اله إلاّ أنا، أبتدئ بالعطيّة من غير مسألة، فأسأل فلا أجود؟! كلاّ، أليس الجود والكرم لي؟ أليس الدنيا والآخرة بيدي؟ فلو أنّ كل واحد من أهل السماوات والأرض سألني مثل ملك السماوات والأرض فأعطيته ما نقص ذلك من ملكي مثل جناح بعوضة، فيا بؤساً لمن أعرض عنّي، وسأل في حوائجه وشدائده غيري”.
قال: فقلت له: أعد علىّ هذا الكلام، فعاد ثلاث مرّات فحفظته وقلت في نفسي: لا والله لا أسأل أحداً حاجة، ثم لزمت بيتي فما لبثت أيّاماً إلاّ وأتاني الله برزق، قضيت منه ديني، وأصلحت به أمر عيالي، والحمد لله رب العالمين.
ونحن في سنوات مضت رأينا وعايشنا معنى التوكل والنصر الإلهي على أعداء البشرية <داعش> من خلال الفتوى المباركة للمرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، المتمثلة بالمرجع الأعلى آية الله العظمى السيد علي الحسني السيستاني دام ظله فكانت عنوان حقيقي للتوكل على الله، وقد هيّأ الله الأرضيّة، وأعطى الفيض سبحانه وتعالى وهو الغنيُّ الّذي يُعطي الغنى، وهو العزيز الّذي يُعطي العزّة، فيُعطيهما لمن توكّل عليه ولم يتوكّل على غيره، فكان النصر حليف المؤمنين.
روي عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من أراد التوكلّ على الله فليحب أهل بيتي ، ومن أراد أن يَنجو من عذاب القبر فليحبّ أهل بيتي ، ومِن أراد الحكمة فليحبّ أهل بيتي ، ومن أراد دخول الجنة بغير حساب فليحبّ أهل بيتي ، فوالله ما أحبّهم أحدٌ إلا ربح الدنيا والآخرة.
ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.
روي عن الامام المهدي (عجل الله فرجه) قال: إن الحق معنا وفينا لا يقول ذلك سوانا الا كذاب مفتر ولا يدعيه غيرنا الا ضال غوي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.