الليلة السابعة عشر

🔴 جديد | مجلة نون النجفية

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

أنْتَ كَهْفِي حِينَ تُعِيينِى الْمَذَاهِبُ فِي سَعَتِهَا، وَتَضِيقُ بي الأَرْضُ بِرُحْبِهَا، وَلَوْلاَ رَحْمَتُكَ لَكُنْتُ مِنَ الْهَالِكِينَ، وَاَنْتَ مُقِيلُ عَثْرَتِي، وَلَوْلاَ سَتْرُكَ إِيَّاىَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَفْضُوحِينَ، وَأنْتَ مُؤَيِّدِي بِالنَّصْرِ عَلى أعْدآئِي، وَلَوْلاَ نَصْرُكَ إيَّاىَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَغْلُوبِينَ.

التَّوكل هو من دلائل الإيمان، وسمات المؤمنين ومزاياهم الرَّفيعة، الباعثة على عزّة نفوسهم، وترفعهم عن استعطاف المخلوقين.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.

روي عن الإمام أمير المؤمنين على عليه السلام قال: التوكل من قوة اليقين.

رحمات ربي التي أنزلها على جميع مخلوقاته وشمولها العام بعباده ومخلوقاته كريمة. قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأعراف: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ}.

الارتباط بين توكل العبد ورحمة الله لها الأسباب والوسائل الباعثة على تحقيق المنافع، ودرء المضار، وأن يقف المرء إزاء الأحداث والأزمات مكتوف اليدين، فعليه بتوكله على قدرة الله المطلقة أن يرى نفسه فاتحا ومنتصرا، وبهذا الترتيب فالتوكل عامل من عوامل القوة واستمداد الطاقة، التي تكون من رحمة الله بعبده، روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لو تعلمون قدر رحمة الله تعالى لاتكلتم عليها.

التوكل يعني أن يعتقد العبد أنّ الله تعالى قادر على كل شيء، ويطمئن قلبه، ولا يخاف معه من أحد، ولكن ذلك بعد القيام بما ينبغي، والأخذ بالأسباب الطبيعية للأمور، وقد ورد : إنّ قوماً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا نزلت: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}، أغلقوا الأبواب، وأقبلوا على العبادة وقالوا: قد كفينا فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) فأرسل إليهم قال: ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا: یا رسول الله تُكُفّل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة قال: إنّه من فعل ذلك لم يستجب له عليكم بالطلب.

إن تحقيق الله تعالى لغايات العبد، ورغباته، وكفايته في جميع شؤونه رحمة منه عليه وجزاءً على حقِّ توكّله، فيكون الحصول على المنافع في الدنيا والآخرة، ودفع المضار من آثار التوكل بالله والصبر وتحمّل المصاعب والمصائب، والاطمئنان بأقدار الله عز وجل التي تنزل على العباد.

روي عن الإمام محمد الباقر عليه السلام قال: من توكَّل على الله لا يُغلب، ومن اعتصم بالله لا يُهزم.

هذا كله بلحاظ الوضع العام للمتوكل وهو: إعداد العامل الخارجي وضمه الى العامل الباطني وهو الانقطاع الى الله سبحانه والاعتماد عليه لإنجاح السعي وترتب المسبب على سعيه العادي.

 مقتضي الإرادة الإلهية والرحمة السماوية حصول المطلوب للمؤمن المتوكل على الله، يروى محمد بن عجلان: نَزَلَت بي فاقة عظيمة، ولزمني دين لغريم ملح وليس لمضيقي صديق، فوجّهت فيه إلى الحسن بن زيد – وكان أمير المدينة – لمعرفة كانت بيني وبينه، فلقيني في طريقي محمد بن عبد الله بن الباقر (عليه السلام)، فقال: قد بلغني ما أنت فيه من الضيق فمن أملت لمضيقك؟

قلت: الحسن بن زيد!

فقال: اذن لا تقضى حاجتك، فعليك بمن هو أقدر الأقدرين وأكرم الأكرمين، فانّي سمعت عمي جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: أوحى الله إلى بعض أنبيائه في بعض وحيه: “وعزّتي وجلالي وعظمتي وارتفاعي لأقطعنّ أمل كل مؤمّل غيري باليأس، ولأكسونّه ثوب المذلّة في الناس، ولأبعدنّه من فَرَجِي وفضلي، أيؤمّل عبدي في الشدائد غيري والشدائد بيدي، ويرجو سواي وأنا الغني الجواد، أبواب الحوائج عندي، وبيدي مفاتيحها وهي مغلقة، فما لي أرى عبدي معرضاً عنّي وقد غطّيته بجودي وكرمي ما لم يسألني، فأعرض عنّي وسأل في حوائجه غيري، وأنا الله لا اله إلاّ أنا، أبتدئ بالعطيّة من غير مسألة، فأسأل فلا أجود؟! كلاّ، أليس الجود والكرم لي؟ أليس الدنيا والآخرة بيدي؟ فلو أنّ كل واحد من أهل السماوات والأرض سألني مثل ملك السماوات والأرض فأعطيته ما نقص ذلك من ملكي مثل جناح بعوضة، فيا بؤساً لمن أعرض عنّي، وسأل في حوائجه وشدائده غيري”.

قال: فقلت له: أعد علىّ هذا الكلام، فعاد ثلاث مرّات فحفظته وقلت في نفسي: لا والله لا أسأل أحداً حاجة، ثم لزمت بيتي فما لبثت أيّاماً إلاّ وأتاني الله برزق، قضيت منه ديني، وأصلحت به أمر عيالي، والحمد لله رب العالمين.

ونحن في سنوات مضت رأينا وعايشنا معنى التوكل والنصر الإلهي على أعداء البشرية <داعش> من خلال الفتوى المباركة للمرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، المتمثلة بالمرجع الأعلى آية الله العظمى السيد علي الحسني السيستاني دام ظله فكانت عنوان حقيقي للتوكل على الله، وقد هيّأ الله الأرضيّة، وأعطى الفيض سبحانه وتعالى وهو الغنيُّ الّذي يُعطي الغنى، وهو العزيز الّذي يُعطي العزّة، فيُعطيهما لمن توكّل عليه ولم يتوكّل على غيره، فكان النصر حليف المؤمنين.

روي عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من أراد التوكلّ على الله فليحب أهل بيتي ، ومن أراد أن يَنجو من عذاب القبر فليحبّ أهل بيتي ، ومِن أراد الحكمة فليحبّ أهل بيتي ، ومن أراد دخول الجنة بغير حساب فليحبّ أهل بيتي ، فوالله ما أحبّهم أحدٌ إلا ربح الدنيا والآخرة.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روي عن الامام المهدي (عجل الله فرجه) قال: إن الحق معنا وفينا لا يقول ذلك سوانا الا كذاب مفتر ولا يدعيه غيرنا الا ضال غوي.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الليلة السادسة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

مُنْزِلَ التَّوريةِ وَالإِنْجِيلَ وَالزَّبُورِ وَالْفُرْقَانِ، وَمُنَزِّلَ كهيعص، وَطه وَيس، وَالْقُرآنِ الْحَكِيمِ.

روي عنه عليه السلام في دعائه: مُنْزِلَ التَّوراةِ وَالإِنْجِيلَ وَالزَّبُورِ وَالْفُرْقَانِ، وَمُنَزِّلَ كهيعص، وَطه وَيس، وَالْقُرآنِ الْحَكِيمِ.

أعظم التوسل توسُّل إلى اللَّه عز وجل بإنزاله لهذه الكتب العظيمة المشتملة على هداية الناس، وفلاحهم، وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وخص هذه الكتب، لأنها أعظم كتب أنزلها اللَّه تعالى، وذكرها مرتبة ترتيباً زمنياً.

 التوراة وأنزلت على نبي الله موسى عليه السلام، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا}.

إن التوراة التي هي الآن بأيدي اليهود ليست التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام. والدليل: أن توراة اليهود: بيد اليهود نسخة، وبيد السامرية نسخة، وبيد النصارى نسخة، والنسخ الثلاث مختلفة في كثير من الأمور غير متوافقة، وكل فرقة تحيل التحريف على غيرها، فالتغيير والتحريف إذن لازم.

الزبور أنزل على نبي الله داوود عليه السلام، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الإسراء: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا}.

والإنجيل أنزله الله على نبيه عيسى عليه السلام، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المائدة: {وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ}.

الإنجيل ليس بشيء من هذا الموجود بين أيديهم ، وما يثبت به تحريف الانجيل، قوله تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة:{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.

ثم الفرقان أو القرآن الكريم الذي أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وختم به الرسالات السماوية، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الإسراء: {إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}. وقال تعالى في محكم كتابه: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده}.

وقد بيّن سبحانه وتعالى وحدة الشرائع السماوية، وأن بعضها يكمّل بعضا، وأنها كالقصر المشيد، كل لَبنة منه جزء من كيانه، وهو جماع لبناته وأركانه وأشكاله، وأكد سبحانه تلك الوحدة ببيان ميثاق الله على الأنبياء، وأن الله سبحانه أخذ عليهم ليصدِّق بعضهم بعضا، وكل نبيّ متمِّم ما بدأ به النبي الذي سبقه، أو بالأحرى يؤكد ما جاء به ويوثّقه ويقويه حتى ختم الله أنبياءه بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وما يزيد الإنسان المؤمن أن التعلق بأهل البيت عليهم السلام هو تعلق بالله تعالى، وأن الطريق الموصل لله تعالى وفي أعلى مراتب المعرفة به تعالى هم أهل البيت عليهم السلام، بمعنى أن الإنسان كلما ارتبط بأهل البيت عليهم السلام وتعلم منهم كان أقرب إلى معرفة الله تعالى، فهم الذين يجسدون التوحيد الحقيقي، والدلالة على الحقيقة في رسالات ربهم والعبودية له.

 روي عن أبي الحسن الأول الإمام الكاظم عليه السلام سأله أحد أصحابه، قال: قلت له: جعلت فداك، أخبرني عن النبي صلَّى الله عليه وآله ورث النبيين كلّهم؟ قال: ( نعم ) ، قلت : من لدن آدم ( عليه السلام ) حتى انتهى إلى نفسه ؟ قال : ما بعث الله نبياً إلاَّ ومحمد صلَّى الله عليه وآله أعلم منه .

يلتفت قارئ القرآن لموضوع الحروف المقطعة في بداية سورة مريم وما لها من استدلال ظاهري وباطني، و وضحه لنا  أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير كلمات القرآن الكريم وما لها من ارتباط بمصاب أبي عبد الله  الحسين(عليه السلام)، فمن جملة الروايات ما ورد عن سعد بن عبد الله، قال: سألت القائم عليه السلام عن تأويل (كهيعص) فقال عليه السلام: هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع الله عليها عبده زكريا، ثم قصها على محمد صلى الله عليه وآله، وذلك أن زكريا سأل الله ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام فعلمه إياها، فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن عليهم السلام سري عنه همه، وانجلى كربه، وإذا ذكر اسم الحسين عليه السلام خنقته العبرة، ووقعت عليه البهرة، فقال عليه السلام ذات يوم: إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين عليه السلام تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته، فقال: (كهيعص)، فالكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة [الطاهرة]، والياء يزيد وهو ظالم الحسين عليه السلام، والعين عطشه، والصاد صبره.

فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع فيهن الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب، وكان يرثيه: إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما؟ ثم كان يقول: إلهي ارزقني ولدا تقرُّ به عيني على الكبر فإذا رزقتنيه فافتني بحبه، ثم أفجعني به كما تفجع محمدا صلى الله عليه وآله حبيبك بولده، فرزقه الله يحيى وفجعه به وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين عليه السلام كذلك.

سورة طه من خواص القرآن الكريم وردت فيها روايات كثيرة منها: روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تدعوا قراءة سورة طه فإن اللّه يحبها ويحب من يقرأها، ومن أدمن قراءتها أعطاه اللّه يوم القيامة كتابه بيمينه، ولم يحاسبه بما عمل في الإسلام، وأعطي في الآخرة من الأجر حتى يرضى.

كل شي له قلب وقلب القرآن سورة يس، خصوصيتها يروى لنا عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إنّ لكلّ شيء قلبا ، وإن قلب القرآن يس.

وعن ابن عبّاس قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: لوددت أنّها في قلب كلّ إنسان من أمّتي، يعني يس‏.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

وروى الشيخ الصدوق: عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، فقال: والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم عليه السلام، فإذا خرج القائم عليه السلام لم يبق كافر بالله العظيم، ولا مشرك بالإمام إلا كره خروجه حتى لو كان هناك كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الليلة الخامسة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

يَا إلهِي وَإلهَ آبَائِي إبْرَاهِيمَ وَإسْمَاعِيلَ وَإسْحاقَ وَيَعْقُوبَ، وَرَبَّ جَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإسْرَافِيلَ، وَربَّ مُحَمَّد خَاتَِمِ النَّبِيّيِينَ وَآلِهِ الْمُنْتَجَبِينَ.

روي عنه عليه السلام في دعائه: يَا إلهِي وَإلهَ آبَائِي إبْرَاهِيمَ وَإسْمَاعِيلَ وَإسْحاقَ وَيَعْقُوبَ، وَرَبَّ جَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإسْرَافِيلَ.

التوحيد هو دين واعتقاد أنبياء الله عليهم السلام، واتفقت دعوتهم إليه، وتوحّدت سبلهم عليه، إنّما التعدّد في شرائعهم المتفرعة عنه، وجعلهم الله سبحانه وسائطَ بينه وبين عباده في تعريفهم بذلك، ودلالتهم عليه، لمعرفة ما ينفعهم وما يضرّهم، وتكميل ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم، بُعثوا جميعاً بالدّين الجامع، الذي هو عبادةُ اللهِ وحده، لا شريك له، بالدعوة إلى توحيد الله، والاستمساك بحبله المتين، الإمام عليه السلام يشير في كلمات هذا الدعاء إلى عقيدتنا الحقة في إسلام جميع آباء النبي صلى الله عليه وآله.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الشعراء: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}.

روي عن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم قال: ما زلت أتنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات، حتى أخرجني الله تعالى في عالمكم هذا.

 قال الشيخ الصدوق رضي ‌الله ‌عنه في كتابه(الاعتقادات): اعتقادنا في آباء النبيّ أنّهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبد الله، وأنّ أبا طالب كان مسلماً، واُمّه آمنة بنت وهب كانت مسلمة. وقال النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم: «خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم». ورُوي أن عبد المطلب كان حجة وأبا طالب كان وصيّه.

نزع الله تعالى من الملائكة غوائل الشر ، فهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وقال الله تعالى: {بل عباد مكرمون}، وأكثر الملائكة المقربون هم الذين وردت أسماؤهم نصاً في القرآن الكريم والروايات الشريفة…وهم ثلاثة جبرائيل وميكائيل و إسرافيل عليهم السلام.

روي عن النبي صلّى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلّم قال : واسرافيل سيّد الملائكة.

وروي عن الباقر عليه ‌السلام : « انّ جبرئيل قال للنبي صلّى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلّم في وصف إسرافيل : انّ هذا حاجب الربّ، وأقرب خلق الله منه، واللوح بين عينيه من ياقوتة حمراء، فإذا تكلّم الربّ تبارك وتعالى بالوحي، ضرب اللوح جبينه فنظر فيه، ثمّ ألقى إلينا نسعى به في السماوات والأرض، إنّه لأدنى خلق الرحمن منه وبينه وبينه تسعون حجاباً من نور، يقطع دونها الأبصار ما يعدّ ولا يوصف، وإنّي لأقرب الخلق منه وبيني وبينه مسيرة ألف عام …

الوحدانية والطاعة لله صدرت من أهل بيت النبوة عليهم السلام فأضاءت صراط الإنسان لحقيقة العبودية مفهوما واضحا في الإخلاص للخالق.

روي عن الإمام علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي ابن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه منى،

قال: علي عليه السلام: فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل؟

فقال: يا علي، إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا.

يا علي، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار، ولا السماء ولا الأرض، فكيف لا تكون أفضل من الملائكة، وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه، لأن أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا فانطقنا بتوحيده وتحميده، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة إنا خلق مخلوقون، وأنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا، لتعلم الملائكة ان لا إله إلا الله وإنا عبيد ولسنا بآلهة يجب ان نعبد معه أو دونه، فقالوا: لا إله إلا الله، فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلا به، فلما شاهدوا ما جعله لله لنا من العز والقوة قلنا لا حول ولا قوة إلا بالله لتعلم الملائكة أن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله…

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَربَّ مُحَمَّد خَاتَِمِ النَّبِيّيِينَ وَآلِهِ الْمُنْتَجَبِينَ.

إن النبي صلى الله عليه وآله واجه من أجل تحقيق عقيدة التوحيد ونشرها، وتحطيم الشرك، أمراً عظيماً، وأوذي كثيرا، حتى قال صلى الله عليه وآله: ما أوذي نبي مثل ما أوذيت .

وقد نصره الله بعد ذلك، وأن الله سبحانه وتعالى جعل في ذريته الطاعة المطلقة والدلالة الواضحة في تعليم الوحدانية، ولولاهم لم نعلم ما يجب علينا، هم أفضل خلق الله بعد رسوله صلى الله عليه وآله.

روي عن أصبغ بن نباتة الحنظلي قال: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام يوم افتتح البصرة وركب بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله [ثم]

قال: أيها الناس ألا أخبركم بخير الخلق يوم يجمعهم الله؟

فقام إليه أبو أيوب الأنصاري فقال: بلى يا أمير المؤمنين حدثنا فإنك كنت تشهد ونغيب،

فقال: إن خير الخلق يوم يجمعهم الله سبعة من ولد عبد المطلب لا ينكر فضلهم إلا كافر ولا يجحد به إلا جاحد،

فقام عمار بن ياسر – رحمه الله – فقال: يا أمير المؤمنين سمهم لنا لنعرفهم،

فقال: إن خير الخلق يوم يجمعهم الله الرسل، وإن أفضل الرسل محمد صلى الله عليه وآله، وإن أفضل كل أمة بعد نبيها وصي نبيها حتى يدركه نبي، ألا وإن أفضل الأوصياء وصي محمد عليه وآله السلام، ألا وإن أفضل الخلق بعد الأوصياء الشهداء، ألا وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة، لم ينحل أحد من هذه الأمة جناحان غيره، شيء كرم الله به محمدا صلى الله عليه وآله وشرفه والسبطان الحسن، والحسين، والمهدي عليهم السلام، يجعله الله من شاء منا أهل البيت، ثم تلا هذه الآية: ” ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا * ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما.”

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة ومناسبة ولادة السبط الكريم والإمام المبارك الحسن بن علي عليه السلام نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله، كان يأخذه فيضمه و يقول : إن هذا ابني و أنا أحبه و أحب من يحبه.

روي عن الإمام الحسن المجتبى عليه ‌السلام قال: الأئمّة بعد رسول اللّه صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم اثنا عشر، تسعة من صلب أخي الحسين، ومنهم مهديّ هذه الأمّة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الليلة الرابعة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

يَا مَنْ عَفى عَنْ عَظِيمِ الذُّنُوبِ بِحِلْمِهِ، يَا مَنْ أسْبَغَ النَّعْمآءَ بِفَضْلِهِ، يَا مَنْ أعْطَى الْجَزِيلَ بِكَرَمِهِ، يَا عُدَّتِي فِي شِدَّتِي، يَا صَاحِبِي فِي وَحْدَتِي، يَا غِيَاثِي فِي كُرْبَتِي، يَا وَلِيِّي فِي نِعْمَتِي.

روي عنه عليه السلام في دعائه: يَا مَنْ عَفى عَنْ عَظِيمِ الذُّنُوبِ بِحِلْمِهِ، يَا مَنْ أسْبَغَ النَّعْمآءَ بِفَضْلِهِ، يَا مَنْ أعْطَى الْجَزِيلَ بِكَرَمِهِ

الذنب يعني المخالفة ، فكل عمل من الأعمال التي تخالف الأوامر الإلهية يعد في نظر الإسلام ذنباً ، فحتى لو كان الذنب هيناً فهو عظيم وكبير، وذلك لمخالفة الأوامر الربانية وعدم إطاعة الله سبحانه وتعالى .

 وقد ورد في القرآن الكريم كثير من الآيات التي دلت بعظيم الذنوب، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النساء: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا}.

عن الإمام الباقر «عليه السلام» قال: «ما من عبد إلاّ وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض فإذا تغطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداَ، وهو قول الله عز وجل: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.

تأتي الألطاف الإلهية لهذا الإنسان المذنب الحائر بما وصل إليه أمره إلى من هو الملتجأ وهو عز وجل، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الذاريات: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.

أوضح الله لنا في كتابه التوبة التي من خلالها يعفو عن عظيم الذنوب بحلمه، يروى أنه كان هناك شابا حسن الصورة ، امتهن نبش القبور وسرقة اكفان الموتى ، فكان يخرج الأموات من قبورهم ويأخذ اكفانهم ، ثم يبيعها.

وفي يوم من الأيام، توفيت امرأة في المدينة، وبعد ان دفنت جاء هذا النباش الى قبرها.

حفر القبر، واخرج الفتاة من القبر وانتزع كفنها ومضى..

وبينما هو ذاهب و اذا بالشيطان يقول له: أرجع اليها وافعل الفاحشة بها، فلا أحد يراك. فرجع وزنى بها، وابقاها على شفير القبر عارية بدون ان يدفنها.

وبعد أيام، راجع نفسه فندم واعترف بذنبه، وجاء الى النبي (صلى الله عليه واله) يبكي:

قال: ما يبكيك يا رجل؟

قال: ارتكبت ذنوباً لا ارى الله يغفرها لي، بل سيأخذني بها.

فقال (صلى الله عليه واله وسلم): هل أشركت بالله شيئاً؟

قال: معاذ الله.

قال: أقتلت نفساً؟

قال: لا.

قال (صلى الله عليه واله وسلم): يدفع الله ذنوبك ولو كانت بقدر الجبال الرواسي.

قال: إن ذنوبي أعظم من الجبال الرواسي.

فقال: ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب من بذنوبك

قال: بلى، كنت منذ سبع سنين أنبش القبور، فماتت فتاة من الأنصار، فلما ذهب عنها اهلها وأسدل الليل سدوله، نبشت قبرها وسلبتها كفنها، ثم زينها الشيطان في عيني حتى زنيت بها، ولا أظن أني أشم رائحة الجنة.

فما ترى يا رسول الله؟

فقال البي (صلى الله عليه واله وسلم): ابتعد عني.

فذهب الشاب الى جبل وانزوى عن الناس، وهو يدعو الله ويطلب منه التوبة، حتى نزلت الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.

فتاب الله عليه، لأنه تاب توبة نصوحاً.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة لقمان: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}.

يروى عن ابن عباس سألت النبي (صلى الله عليه وآله) عن قوله تعالى: (ظاهرة وباطنة) فقال: يا بن عباس! أما ما ظهر فالإسلام، وما سوى الله من خلقك، وما أفاض عليك من الرزق، واما ما بطن فستر مساوئ عملك ولم يفضحك به، يا بن عباس إن الله تعالى يقول:

ثلاثة جعلتهن للمؤمن ولم تكن له: صلاة المؤمنين عليه من بعد انقطاع عمله، وجعلت له ثلث ماله اكفر به عنه خطاياه، والثالث: سترت مساوئ عمله ولم أفضحه بشيء منه ولو أبديتها عليه لنبذه أهله فمن سواهم…

من أهم النعم وجزيل العطاء على المؤمنين هو أنَّ الله هداهم لمعرفته وعرفهم الوسائل إلى طاعته وهم النبيّ وأهل بيته عليهم السلام ورزقهم ولايتهم وموالاة أوليائهم والبراءة من أعدائهم.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: نحن والله نعمة الله التي أنعم بها على عباده وبنا يفوز من فاز.

هذه النعم التي أفاضها الله على عباده بجزيل كرمه وعطاءه بدلها البعض بعد نبيهم صلى الله عليه وآله، روي عن عبد الله بن عباس قال: لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته، فقيل: يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال: أبكي لذريتي وما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي، كأني بفاطمة بنتي وقد ظلمت بعدي، وهي تنادي يا أبتاه يا أبتاه فلا يعينها أحد من أمتي، فسمعت ذلك فاطمة (عليها السلام) فبكت، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

لا تبكين يا بنية، فقالت لست أبكي لما يصنع بي من بعدك ولكني أبكي لفراقك يا رسول الله فقال لها: أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي، فإنك أول من يلحق بي من أهل بيتي.

روي عنه عليه السلام في دعائه: يَا عُدَّتِي فِي شِدَّتِي، يَا صَاحِبِي فِي وَحْدَتِي، يَا غِيَاثِي فِي كُرْبَتِي، يَا وَلِيِّي فِي نِعْمَتِي.

أكد القرآن الكريم في كثير من آياته المباركة على اطلاع الباري عزّ وجل على خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، ويعني هذا أن الله يعلم السر وما أخفى، وهو ما أضمره الإنسان وأسرّه ثمّ نسيه ( والله يعلم ما تسرون وما تعلنون )، جاء قوله تعالى: ( وأسروا قولكم أو اجهروا به ، أنه عليم بذات الصدور ) ليؤكد هذه الحقيقة ، حقيقة السر الذي يكتمه الأنسان على غيره ولكن لا يخفى على الله تعالى أي سرٌ لأنّ الله تعالى خالق الإنسان في هذا العالم وإلى ذلك أشار القرآن الكريم: ( قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض ، إنه كان غفوراً رحيما ).

فالله عند الشدة والوحدة وغياث العبد في كربته ووليه في نعمته، وكل ما يريده الله من عبده في جميع أحواله ما أخذه من أنبيائه عليهم السلام، كي نكون مقربين منه، روي عن حفص بن غياث النخعي القاضي، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق جعفر بن محمد صلوات الله وسلامه عليه يقول: جاء إبليس إلى موسى بن عمران (عليه السلام) وهو يناجي ربه،

فقال له ملك من الملائكة: ما ترجو منه وهو في هذه الحال يناجي ربه؟

فقال: أرجو منه ما رجوت من أبيه آدم وهو في الجنة،

وكان فيما ناجاه الله تعالى به أن قال له: يا موسى، لا أقبل الصلاة إلا ممن تواضع لعظمتي، وألزم قلبه خوفي، وقطع نهاره بذكري, ولم يبت مصرا على الخطيئة, وعرف حق أوليائي وأحبائي،

فقال موسى: رب تعني بأحبائك وأوليائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب؟

فقال عز وجل: هم كذلك يا موسى، إلا أنني أردت من أجله خلقت آدم وحواء، ومن من أجله خلقت الجنة والنار،

 فقال موسى: ومن هو، يا رب؟

قال: محمد أحمد شققت اسمه من اسمي لأني أنا المحمود، فقال موسى: يا رب اجعلني من أمته،

قال: أنت يا موسى من أمته إذا عرفته وعرفت منزلته ومنزلة أهل بيته، إن مثله ومثل أهل بيته فيمن خلقت، كمثل الفردوس في الجنان، لا ييبس ورقها ولا يتغير طعمها، فمن عرفهم وعرف حقهم جعلت له عند الجهل حلما، وعند الظلمة نورا، أجيبه قبل أن يدعوني، وأعطيه قبل أن يسألني.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روى ابن ماجة بسنده عن علقمة عن عبد اللَّه قال: “بينما نحن عند رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذ أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم النبي صلى الله عليه وآله اغرورقت عيناه وتغير لونه!

قال: فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه.

فقال:” إنا أهل بيت اختار اللَّه لنا الاخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخير، فلا يعطونه، فيقاتلون، فينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها لرجل من أهل بيتي فيملأها قسطاً كما ملأوها جوراً فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تأملات في ميثاق أهل السبت

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

سورة البقرة، من آية 64، إلى آية 66

 ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ(1)

بقي الكلام في جهة واحدة: أن الإمام عليه السلام يوجهنا لمسألة مهمة جدا ألا وهي: الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، حيث أن من عمل على ذلك _و هم العشرة ألاف من السبعين ألف_ لم يصبه عقاب الدنيا، و هناك رواية أنهم أحبار، و الذين أقدموا و تجرأوا و استمروا في بغيهم مسخوا، هم و الذين قد سكتوا على ذلك، و هناك جهات أخرى في عشر روايات يمكن للقارئ الكريم الرجوع فيها إلى كتاب بحار الأنوار، ليستخلص منها تلك الجهات، و نكتفي بهذا القدر.

حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: وجدنا في كتاب علي عليه السلام أن قوما من أهل أبلة (2) من قوم ثمود، وأن الحيتان كانت سبقت إليهم يوم السبت (3) ليختبر الله طاعتهم في ذلك، فشرعت إليهم يوم سبتهم في ناديهم وقدام أبوابهم في أنهارهم وسواقيهم، فبادروا إليها فأخذوا يصطادونها ولبثوا في ذلك ما شاء الله، لا ينهاهم عنها الأحبار ولا يمنعهم العلماء من صيدها، ثم إن الشيطان أوحى إلى طائفة منهم أنما نهيتم عن أكلها يوم السبت ولم تنهوا عن صيدها، (4) فاصطادوا يوم السبت وكلوها فيما سوى ذلك من الأيام، (5) فقالت طائفة منهم: الآن نصطادها، (6) فعتت وانحازت طائفة أخرى منهم ذات اليمين، فقالوا:

ننهاهم (7) عن عقوبة الله أن تتعرضوا بخلاف أمره، واعتزلت طائفة منهم ذات اليسار

فتنكبت (8) فلم تعظهم،

فقالت للطائفة التي وعظتهم: ” لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا؟”

فقالت الطائفة التي وعظتهم: ” معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون “

قال: فقال الله عز وجل: ” فلما نسوا ما ذكروا به ” يعني لما تركوا ما وعظوا به ومضوا على الخطيئة،

فقالت الطائفة التي وعظتهم: لا والله لا نجامعكم ولا نبايتكم الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله فيها مخافة أن ينزل بكم البلاء فيعمنا معكم،

قال: فخرجوا عنهم من المدينة مخافة أن يصيبهم البلاء فنزلوا قريبا من المدينة فباتوا تحت السماء، فلما أصبح أولياء الله المطيعون لأمر الله غدوا لينظروا ما حال أهل المعصية، فأتوا باب المدينة فإذا هو مصمت فدقوه، فلم يجابوا، ولم يسمعوا منها حس أحد، فوضعوا سلما على سور المدينة ثم أصعدوا رجلا منهم فأشرف على المدينة فنظر فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون،

فقال الرجل لأصحابه: يا قوم أرى والله عجبا،

قالوا: وما ترى؟

قال: أرى القوم قد صاروا قردة يتعاوون، لها أذناب، فكسروا الباب،

قال: فعرفت القردة أنسابها من الإنس، (9) ولم تعرف الإنس أنسابها من القردة،

فقال القوم للقردة: ألم ننهكم؟

فقال علي عليه السلام: والله الذي فلق الحبة و برأ النسمة إني لأعرف أنسابها (10) من هذه الأمة لا ينكرون ولا يغيرون (11) بل تركوا ما أمروا به فتفرقوا، وقد قال الله تعالى: ” فبعدا للقوم الظالمين ” فقال الله: ” أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون “.(12)

——————————————————

*-الطبرسي – الاحتجاج – ج1 – ص294.

1- البقرة : 64، إلى آية 66 .

2- هكذا في النسخ، وفي المصدر: أيكة، وكلاهما مصح. فان، والصحيح كما في سعد السعود وفى البرهان نقلا عن تفسير القمي والعياشي ” أيلة ” قال ياقوت: أيلة بالفتح: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام، وقيل: هي آخر الحجاز وأول الشام، قال أبو زيد: أيلة مدينة صغيرة عامرة بها زرع يسير، وهي مدينة لليهود الذين حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت فخالفوا فمسخوا قردة وخنازير.

3- هكذا في نسخ وفى المصدر، وفى سعد السعود: فان الحيتان كانت قد سبقت لهم يوم السبت ولعل الصحيح كما في نسختين: أن قوما من أهل أيلة من قوم ثمود سبقت الحيتان إليهم يوم السبت قوله: (من قوم ثمود) أي من ذريتهم وأخلافهم.

4- في التفسير: إنما نهيتكم عن أكلها يوم السبت فانتهيتم عن صيدها؟

5- في التفسير وسعد السعود: وأكلوها فيما سوى ذلك من الأيام.

6- في سعد السعود: لا الا أن نصطادها.

7- في التفسير وفي نسخة: ننهاكم، وفي التفسير: لخلاف أمره. وفي سعد السعود: فقالوا:

الله الله ننهاكم. وفيه أيضا لخلاف أمره.

8-تنكب عنه: عدل. وفى المصدرين: فسكتت.

9- في سعد السعود: ولهم أذناب، فكسروا الباب، ودخلوا المدينة، قال: فعرف القردة أشباهها من الانس، ولم تعرف الانس أشباهها من القردة.

10- في سعد السعود: أشباهها.

11- في سعد السعود: ولا يقرون.

12-تفسير القمي: 226 – 228.

الليلة الثالثة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

لَكَ الْعُتْبى لَكَ الْعُتْبى حَتّى تَرْضى قَبْلَ ذلِك، لاَ إلهَ إلاَّ اَنْتَ، رَبَّ الْبَلَدِ الْحَرَامِ، وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، الَّذِي أحْلَلْتَهُ الْبَرَكَةَ، وَجَعَلْتَهُ لِلنَّاسِ اَمْنَاً.

روي عنه عليه السلام في دعائه: لَكَ الْعُتْبى لَكَ الْعُتْبى حَتّى تَرْضى قَبْلَ ذلِك، لاَ إلهَ إلاَّ اَنْتَ، رَبَّ الْبَلَدِ الْحَرَامِ، وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ.

التوحيد هو اصل الاعتقاد بالإسلام الذي يؤمن الإنسان بالوحدانية لله والعبودية له، فيعطي الإنسان القربة لله، وينال رضا الخالق، بما يصل إليه من عظيم الكلم والفعل، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ما من الكلام كلمة أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من قول «لا إله إلّا الله»، وما من عبد يقول: «لا إله إلّا الله» يمدّ بها صوته فيفرغ، إلّا تناثرت ذنوبه تحت قدميه، كما يتناثر ورق الشجر تحتها.

وقال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾.

الوحدانية هي أصل الإسلام، وكلمة الله التي رددها الأنبياء والرسل عليهم السلام أمة بعد أمة، وسلسلة الذهب حديث الطيبين عليهم السلام، روي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ قَالَ: لَمَّا وَافَى أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا  عليه السلام نَيْسَابُورَ وَ أَرَادَ أَنْ يَرْحَلَ مِنْهَا إِلَى الْمَأْمُونِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ فَقَالُوا لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ تَرْحَلُ عَنَّا وَ لَا تُحَدِّثُنَا بِحَدِيثٍ فَنَسْتَفِيدَهُ مِنْكَ؟! وَ قَدْ كَانَ قَعَدَ فِي الْعَمَّارِيَّةِ فَأَطْلَعَ رَأْسَهُ وَ قَالَ: “سَمِعْتُ أَبِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليهم السلام يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ: سَمِعْتُ جَبْرَئِيلَ يَقُولُ: سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حِصْنِي فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي فَلَمَّا مَرَّتِ الرَّاحِلَةُ نَادَانَا بِشُرُوطِهَا وَ أَنَا مِنْ‏ شُرُوطِهَا.

كل حكم وله شروط تتفرع عليه واجبات من لزومياته فهذه الكلمة وهي الصراط بين علاقة العبد بخالقه، تجمع الوحدانية لله والإيمان به والتسليم بما أنزل من أنبياء عليهم السلام، والتمسك بآل محمد عليهم السلام، فينكشف للإنسان عظمة عبارة الإمام الحسين عليه السلام في هذا الدعاء رب (البلد الحرام)، الذي قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النمل: {إنما أمرت أن اعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت ان أكون من المسلمين}.

وجعل في الشريعة الاسلامية لها أحكام كما ذكرت في رسالة المنهاج لآية الله العظمى السيد علي الحسني السيستاني دام ظله:

  • يستحب لمن أراد أن يدخل مكة المكرمة أن يغتسل قبل دخولها، وأن يدخلها بسكينة ووقار.
  • ولا يجوز دخول مكة من دون احرام.
  • ولها أدعية مستحبة وواجبات من أراد فليراجع المصدر المتقدم.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: إنَّ الله تبارك وتعالى دحا الأرض من تحت الكعبة إلى منى، ثمّ دحاها من منى إلى عرفات، ثمّ دحاها من عرفات إلى منى، فالأرض من عرفات، وعرفات من منى، ومنى من الكعبة، وكذلك علمنا بعضه من بعض.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، الَّذِي أحْلَلْتَهُ الْبَرَكَةَ، وَجَعَلْتَهُ لِلنَّاسِ اَمْنَاً.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾.

يمثل الحج أعلى مراحل التوحيد ونفي الشرك، فضلاً عن الإخلاص في العبودية لله تعالى، فهو مليء بالدروس والعبر التي يستلهمها الإنسان المسلم لبناء الجانب المعنوي في حياته، فكانت رحلة المعرفة للبلد الحرام، والمشعر الحرام، والبيت العتيق، كل هذه بكلمات بركة هذا الدعاء الذي يفيض نورا، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في بعض كلماته قال: (فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك، والصلاة تنزيهاً عن الكبر، والزكاة تسبباً للرزق، والصيام ابتلاء لإخلاص الخلق، والحج تقوية الدين).

يرتبط المؤمن ارتباطا وثيقا بالله وما أمره به من الطاعة والامتثال في الشريعة الإسلامية، روى الشريف المرتضى في الأمالي قال:

قدم على الرشيد رجل من الأنصار يقال له نفيع فحضر باب الرشيد يوما ومعه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز وحضر موسى بن جعفر (عليه السلام) على حمار له فتلقاه الحاجب بالبشر والاكرام وأعظمه من كان هناك وعجل له الاذن.

فقال نفيع لعبد العزيز: من هذا الشيخ؟

 قال: أوما تعرفه؟

 قال: لا!

قال: هذا شيخ آل أبي طالب! هذا موسى بن جعفر!

فقال نفيع: ما رأيت أعجز من هؤلاء القوم يفعلون هذا برجل يقدر أن يزيلهم عن السرير! أما إن خرج لأسوأنه!

فقال له عبد العزيز: لا تفعل فإن هؤلاء أهل البيت عليهم السلام قل ما تعرض لهم أحد في خطاب إلا وسموه في الجواب سمة يبقى عارها عليه مدى الدهر.

قال: وخرج موسى بن جعفر (عليه السلام) فقام إليه نفيع الأنصاري فاخذ بلجام حماره، ثم قال له: من أنت؟!

فقال: يا هذا! إن كنت تريد النسب فأنا ابن محمد حبيب الله بن إسماعيل ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله! وإن كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله على المسلمين وعليك إن كنت منهم الحج إليه! وإن كنت تريد المفاخرة فوالله ما رضي مشركو قومي مسلمي قومك أكفاء لهم حتى قالوا: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش، وإن كنت تريد الصيت والاسم فنحن الذين أمر الله تعالى بالصلاة علينا في الصلوات والفرائض في قوله : اللهم صل على محمد وآل محمد! ونحن آل محمد، خل عن الحمار!

 فخلى عنه ويده ترعد وانصرف بخزي فقال له عبد العزيز: ألم أقل لك!

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.

كانت الكعبة المشرفة ولا زالت منذ زمن إبراهيم عليه السلام محطاً لأنظار الموحدين، يتهافت عليها الملايين من الناس من كل بقاع الأرض في كل عام ، متحمّلين مشاق السفر في رحلة قدسية، فيجتمعون بأرض الوحي والنبوة لتلبية نداء الحق سبحانه، وامتثالاً لأمره تعالى، ويكفي الكعبة شرفاً أنها قبلة للمسلمين وهي البيت الذي نسبه الله تعالى إلى نفسه، وأكرمه وشرّفه بهذه النسبة، وهو أول بيت وضع للناس فيه البركة.

روي عن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) – وكان واقفا بالحزورة (موضع بمكة عند باب الحناطين) في سوق مكة قال: والله، إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله عز وجل، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: النظر إلى الكعبة حباً لها يهدم الخطايا هدما.

مناسك الرحمن في شهر الحج إليه على من استطاع إليه سبيلا تؤدي واجبا عنا بكل أحكامها التي فرضها الإسلام و تكون البركة في ذهاب العناء وبقاء الأجر والثواب المرتجى، بالتزام الأمر الالهي.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

إنّ لمكة وللكعبة بصورة خاصة منزلة عظيمة في الثقافة الإسلامية وفي حياة المسلمين ، منذ بدء الدعوة الإسلامية ، فمكّة مهبط الوحي ، ومنطلق الإسلام ، ومولد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فالمسيرة بدأت من مكّة ، ولمكّة في قلوب المسلمين منزلة ومكانة ومقام خاص ، ولذلك تجدون عندما يقترب موسم الحج ، فإنّ القلوب كلّها تتجّه نحو هذا المكان الشريف ، نحو الكعبة المعظّمة والمسجد الحرام والحرم ومكّة، فهي منطلق عصر الظهور،  روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال : يظهر المهدي عليه السلام بمكّة عند العشاء ، ومعه راية رسول الله ، صلّى الله عليه وآله، وقميصه، وسيفه، وعلامات، ونور.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ميثاق أصحاب السبت

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

سورة البقرة، من آية 64، إلى آية 66

 ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ(1)

الثالث: في النظر في الروايات التي تخص أصحاب السبت.

هناك بعض الجهات لم يتكلم عنها الإمام العسكري في قصة أصحاب السبت

 – تفسير علي بن إبراهيم: إن أصحاب السبت قد كان أملى الله لهم حتى أثروا (2) وقالوا: إن السبت لنا حلال، وإنما كان حرم على أولينا، وكانوا يعاقبون على استحلالهم السبت، فأما نحن فليس علينا حرام، (3) وما زلنا بخير منذ استحللنا، وقد كثرت أموالنا وصحت أبداننا، ثم أخذهم الله ليلا وهم غافلون. (4)

إن اكثر راوٍ اعتمد عليه أصحاب الجوامع الحديثية هو علي بن إبراهيم وأبوه إبراهيم بن هاشم القمي، فقد كان علي شيخاً للكليني وعاصر عدداً من الأئمة المتأخرين، ويعد من أصحاب الإمام الهادي عليه السلام وإن لم يثبت أنه روى عنه شيئاً ولا عن غيره من الأئمة مباشرة[5]. وبلغت رواياته في الكافي وحده اكثر من سبعة الاف (7068) رواية[6]، كان منها اكثر من ستة الاف (6214) رواية منقولة عن والده ابراهيم[7]. وقد وقع في إسناد كثير من الروايات تبلغ سبعة آلاف ومائة وأربعين (7140) مورداً[8]. وهو بنظر القدماء يعد من المشايخ الثقات، فقد عرفه النجاشي بانه ثقة في الحديث، ثبت معتمد صحيح المذهب، سمع فأكثر، وصنف كتباً وأضر في وسط عمره، وله كتاب التفسير والناسخ والمنسوخ وقرب الإسناد والشرائع.. الخ[9].

ووصلنا منه تفسيره للقرآن، وهو تفسير بالرواية عن الإمام الصادق عليه السلام، وذكر في مقدمة الكتاب أنه روى فيه عن الثقات من مشايخه وسائر الرواة حتى ينتهي إلى الأئمة، فقال: ‹‹ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم وأوجب ولايتهم ولا يقبل عمل إلا بهم››[10].

جماعة يوم السبت المعتدية شرعنت بخلافها للنصوص حكما شرعيا، أي غيرت مواضع الكلم لتشتري و تستفيد بالشرعنة الثمن الذي هو و أن كان كثيرا نقدا، ولكنه في مقابل طاعة الرب ثمن بخس ، و لم يستفيدوا ولم يتفكروا من تأجيل العقوبة عليهم، و إنما صار عندهم تفويض بأن الله سيسامحنا، إلى أن وصلوا لشرعنة جديدة و هي: أن الله لم يعاقبنا، فهو قد رضى عنا، و نحن مستمرون لذلك.

سورة النمل، آية 14، صفحة 378

 وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ

 أما في الجهة الأخرى فقد تكلم المعصوم عن عدة مسوخ، ففي بيان حكمها المورد هنا حاكم بالابتعاد عن أكلها، أو قل حرمة بعض الحيوانات التي قد مسخت مثلها .

 الكافي: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن علي الهمداني، عن سماعة ابن مهران، عن الكلبي النسابة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجري (11) فقال:

إن الله عز وجل مسخ طائفة من بني إسرائيل فما أخذ منهم بحرا فهو الجري والزمير (12) والمار ما هي وما سوى ذلك، وما أخذ منهم برا فالقردة والخنازير والوبر (13) والورل وما سوى ذلك. (14) بيان: قال الجوهري: الورل: دابة مثل الضب.

 وفي هذه الجهة نظر الإمام عليه السلام لقدسية اليوم الذي جعل لهم للتفرغ للعبادة، و وعدم العمل فيه، مثل: يوم الجمعة للمسلمين، و الأحد للمسيحيين، فالظاهر أن هناك شيء يوحّد الروايات، و هو وجوب الطاعة لله، و لكن المعصوم يبين في كل رواية مواردها الخاصة.

الكافي: علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمد بن سالم، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل قال:

فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين جعل لكل نبي منهم شرعة ومنهاجا، والشرعة والمنهاج سبيل وسنة، وكان من السبيل والسنة التي أمر الله عز وجل بها موسى أن جعل عليهم السبت، وكان من أعظم السبت ولم يستحل أن يفعل ذلك من خشية الله من قوم ثمود سبقت الحيتان إليهم يوم السبت أدخلها الله الجنة، ومن استخف بحقه واستحل ما حرم الله عليه من العمل الذي نهى الله عنه فيه أدخله الله عز وجل النار، وذلك حيث استحلوا الحيتان واحتبسوها وأكلوها يوم السبت غضب الله عليهم من غير أن يكون أشركوا بالرحمن ولا شكوا في شئ مما جاء به موسى عليه السلام، قال الله عز وجل: ” ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ” الخبر. (15)

-و الرواية الأخيرة في نفس الجهة المنظور إليها و هي قدسية اليوم المنصوص للتفرغ للعبادة، و لكنه ذكر علة ابتلائهم، لأن الله أراد لهم يوم الجمعة، فأرادوا بمخالفتهم غيره فزادهم في البلاء، و في الأخير لو نظرنا في جميع الجهات نرى أنهم خالفوا طاعة الله عزوجل.

 علل الشرائع: أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، عن عبد الله بن محمد الحجال، عن علي بن عقبة، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن اليهود أمروا بالإمساك يوم الجمعة فتركوا يوم الجمعة وأمسكوا يوم السبت، فحرم عليهم الصيد يوم السبت. (16) تفسير العياشي: عن علي بن عقبة مثله. (17)

وهناك تتمة في تعدد المخالفات و التجوزات على طاعة الله عزوجل من عدة جهات في الرواية أشار إليها ونبهنا إليها المعصومون عليهم السلام.

——————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- البقرة : 64، إلى آية 66 .

2 – أملى لهم أي أمهلهم.

3- هكذا في النسخ والمصدر، وفي البرهان: فليس علينا حراما.

4-  تفسير القمي: 168.

5- معجم رجال الحديث، ج12، ص208

6- المصدر السابق، ج19، ص59

7- المصدر السابق، ج1، ص292، وج12، ص213

8- المصدر السابق، ج12، ص213

9- رجال النجاشي، ص260

10- تفسير القمي للقرآن، مكتبة: الكوثر الالكترونية، ج1، ص4

11-الجرى: نوع من السمك النهري الطويل المعروف بالحنكليس ويدعونه في مصر ثعبان الماء وليس له عظم الا عظم الرأس والسلسلة.

12-الزمير: نوع من السمك له شوك ناتئ على ظهره، وأكثر ما يكون في المياه العذبة.

13-الوبر: دويبة كالسنور لكنها أصغر منه وهي قصير الذنب والاذنين.

14-فروع الكافي ٢: ١٤٥.

15-أصول الكافي: ٢: ٢٨ و 29.

16-علل الشرائع: ٣٥.

17-تفسير العياشي مخطوط.

الليلة الثانية عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

فَلاَ تُحْلِلْ عَلَىَّ غَضَبَكَ، فَاِنْ لَمْ تَكُنْ غَضِبْتَ عَلَيَّ فَلاَ أُبَالِي، سُبْحَانَكَ غَيْرَ أنَّ عَافِيَتَكَ اَوْسَعُ لِي، فَاَسْئَلُكَ يَا رَبِّ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أشْرَقَتْ لَهُ الاَْرْضُ وَالسَّموَاتُ، وَكُشِفَتْ بِهِ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَُحَ بِهِ أمْرُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، أنْ لاَ تُمِيتَنِي عَلى غَضَبِكَ وَلاَ تُنْزِلَْ بِي سَخَطَكَ.

روي عنه عليه السلام في دعائه: فَلاَ تُحْلِلْ عَلَىَّ غَضَبَكَ، فَاِنْ لَمْ تَكُنْ غَضِبْتَ عَلَيَّ فَلاَ أُبَالِي، سُبْحَانَكَ غَيْرَ أنَّ عَافِيَتَكَ اَوْسَعُ لِي

البيان من خلال مدرسة النبوة عليهم السلام وهو الواضح أنّ الرضا والغضب من الصفات النفسانية للإنسان، والله سبحانه وتعالى ليس بجسم، فلا صفات نفسانية له، ولذا يكون وصف الله سبحانه وتعالى بالغضب وصفاً مجازياً، ومرادهم من هذا: أنّ الغضب من الله سبحانه وتعالى هو العذاب، ومن الرضا الرحمة والثواب، وقد أوضحت روايات أئمتنا عليهم السلام هذا المعنى.

روي عن جعفر بن محمّد بن عمارة، عن أبيه، قال: سألت الصادق جعفر بن محمّد(عليه السلام)، فقلت له: يا بن رسول الله! هل له رضا وسخط؟ فقال: (نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، ولكن غضب الله: عقابه، ورضاه: ثوابه).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة طه: {كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ۖ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ}.

الإنسان المؤمن يرجو من الله أن لا يدخله في غضبه، لخوفه وعلمه بنتائجه الحتمية لدخوله تحت غضب الله عز وجل، فالأمثال كثيرة، كالأمم السابقة التي نزل عليها غضب الرب:

_ قصة نبي الله موسى عليه السلام مع فرعون، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة يونس: ﴿ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ ﴾ أي فرعون، ﴿ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾.

_ قصة النبي إبراهيم عليه السلام مع النمرود، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة:  {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

وغيرها من الوقائع التي ذكرها الله تعالى في محكم كتابه، فعلى ما تقدم، نرجو الزلفى من الله ، كما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) – لما سأله رجل أحب أن أكون آمنا من غضب الله وسخطه -: لا تغضب على أحد تأمن غضب الله وسخطه.

روي عنه عليه السلام في دعائه: فَاَسْئَلُكَ يَا رَبِّ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أشْرَقَتْ لَهُ الاَْرْضُ وَالسَّموَاتُ، وَكُشِفَتْ بِهِ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَُحَ بِهِ أمْرُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ.

يعلم المؤمن حق العلم، أنّ الله تعالى لا يجري عليه الزمان والمكان، ولكن لا يعني ذلك عدم إحاطته الإلهية بمخلوقاته، فإنّه يعلم بها، ولعلك تتوهّم أنّ وجه الله ونوره هو ذات الله عزّ وجلّ؟ وهذا هو موضع الشبهة الذي أدخل عليك الحيرة، فإنّ وجه الله ونوره هي آياته في الآفاق وفي الأنفس، أو هم أولياؤه، أو هم محمّد وأهل بيته الطاهرين، على اختلاف المعاني المذكورة في تفسير وجه الله، ونوره إذ بهم يتوجّه الخلق إلى الله تعالى، وكلّ ما يتوجّه العباد به إلى ربّهم فيصحّ أن يقال عنه وجه الله ونوره.

روي عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: (فَآمِنُوا بِالله ورَسُولِه والنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا)، فَقَالَ:(يَا أَبَا خَالِدٍ النُّورُ والله الأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله)إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وهُمْ والله نُورُ الله الَّذِي أَنْزَلَ وهُمْ والله نُورُ الله فِي السَّمَاوَاتِ وفِي الأَرْضِ والله يَا أَبَا خَالِدٍ لَنُورُ الإِمَامِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْوَرُ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ بِالنَّهَارِ وهُمْ والله يُنَوِّرُونَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ ويَحْجُبُ الله عَزَّ وجَلَّ نُورَهُمْ عَمَّنْ يَشَاءُ فَتُظْلِمُ قُلُوبُهُمْ والله يَا أَبَا خَالِدٍ لَا يُحِبُّنَا عَبْدٌ ويَتَوَلَّانَا حَتَّى يُطَهِّرَ الله قَلْبَه ولَا يُطَهِّرُ الله قَلْبَ عَبْدٍ حَتَّى يُسَلِّمَ لَنَا ويَكُونَ سِلْماً لَنَا فَإِذَا كَانَ سِلْماً لَنَا سَلَّمَه الله مِنْ شَدِيدِ الْحِسَابِ وآمَنَه مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الأَكْبَرِ.

المعرفة التي ترفع كل وهم أو شبهة ترد من خلال بيانهم عليهم السلام، والواضح أن إطلاق النور عليهم من باب الاستعارة، باعتبار الاهتداء بهم إلى المقاصد الحقيقيّة في سلوك سبيل الله، وكما أنّهم أنوار في الدُّنيا بنورهم يهتدي الناس إلى سبيل الحقِّ، كذلك أنوار في الآخرة، بنورهم يمضون على الصراط ويهتدون إلى سبيل الجنّة.

روي عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للإمام الرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله إن عندنا أخبارا في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) وفضلكم أهل البيت وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها عنكم، أفندين بها؟

فقال:يا بن أبي محمود لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جده عليهم السلام أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله عز وجل فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس.

ثم قال الرضا (عليه السلام): يا بن أبي محمود إن مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على أقسام ثلاثة: أحدها: الغلو، وثانيها: التقصير في أمرنا، وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا، وقد قال الله عز وجل: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم.

يابن أبي محمود! إذا أخذ الناس يمينا وشمالا فالزم طريقتنا فإنه من لزمنا لزمناه، ومن فارقنا فارقناه، إن أدنى ما يخرج الرجل من الإيمان أن يقول للحصاة: هذه نواة، ثم يدين بذلك ويبرأ ممن خالفه، يا بن أبي محمود احفظ ما حدثتك به فقد جمعت لك فيه خير الدينا والآخرة.

روي عنه عليه السلام في دعائه: أنْ لاَ تُمِيتَنِي عَلى غَضَبِكَ وَلاَ تُنْزِلَْ بِي سَخَطَكَ.

هناك حديث مسلم بين الفريقين العامة والخاصة، وهو قول النبي (صلى الله عليه وآله): من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة.

فالحديث يدلّ على أنّ كلّ زمان لابدّ فيه من إمام، وكلّ شخص مكلّف بمعرفة ذلك الإمام، ومكلّف بأن لا يموت ميتة جاهلية، ويكون على غضب من الله لتقصيره الحقيقي في معرفة إمام زمانه فيكون من الذين سخط الله عليهم.

روي عن عبد الأعلى قال، سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: السمع والطاعة أبواب الخير، السامع المطيع لا حجة عليه والسامع العاصي لا حجة له، وإمام المسلمين تمت حجته، واحتجاجه يوم يلقى الله عز وجل، ثم قال: يقول الله تبارك وتعالى: (يوم ندعو كل اناس بإمامهم).

إنَّ معرفة الإمام تؤدي إلى حسم المنهج والخيار، سواء اتصل المؤمن بإمامه مباشرة، أو اتصل بمن يحملون رايته ومنهجه ويوصلونه إلى الاقتداء به وبتوجيهاته ومواقفه، أي أنَّ الارتباط بالإمام الذي يُنقذ من الجاهلية يتحقق بمعرفته والاقتداء به، فإنَّ معرفتنا بإمامته، وسيرنا على منهجه، يرسم لنا طريق النجاة.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ألا تحمدون الله؟ إنَّه إذا كان يوم القيامة، يُدعى كلُّ قوم إلى من يتولونه، وفزعنا إلى رسول الله (ص)، وفزعتم أنتم الينا.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي، وهو يأتمّ به في غيبته قبل قيامه، ويتولّى أولياءه، ويعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذوي مودتي، وأكرم أمّتي عليّ يوم القيامة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ميثاق أصحاب السبت

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

سورة البقرة، من آية 64، إلى آية 66

 ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ(1)

الكلام الثاني استقراء آيات أصحاب السبت و التأمل فيها .

– سورة النساء، آية 47، صفحة 86

 يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى‏ أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً

أنزل الله عزوجل العقاب الدنيوي قبل الأخروي كالذي أنزل على أصحاب السبت كزجر عام لعدة أمم، لبيان هول العقاب و بيان أن الله شديد العقاب، أولا على صعيد المعتقد الديني، وثانيا أنه ليس هناك تساهل في نصرت أنبياءه، و الجدير بالذكر أنه لم يقتصر الأمر في الزجر فقط، و إنما أكد على فعل هذا العقاب، و قد أخذ الناس به و كان رحمة على بقية الناس.

و قد استخدم اسلوب هذا الزجر رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في يوم الغدير، في أحاديث الإمامية و أهل السنة، وهناك ثلاثين مصدر من طرق المذاهب نكتفي بواحد فقط، وكل رواياتهم مشبعة بالولاية  ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ:

  1.  الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى 310 (المترجم ص 100) أخرج بإسناده في – كتاب الولاية في طرق حديث الغدير – عن زيد بن أرقم قال لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم في رجوعه من حجة الوداع وكان في وقت الضحى وحر شديد أمر بالدوحات فقمت ونادى الصلاة جماعة فاجتمعنا فخطب خطبة بالغة – إلى أن قال في آخر فقرة- معاشر الناس؟ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أنزل معه مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ. النور من الله في ثم في علي ثم في النسل منه إلى القائم المهدي. معاشر الناس؟ سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون، وإن الله وأنا بريئان منهم إنهم وأنصارهم وأتباعهم في الدرك الأسفل من النار، وسيجعلونها ملكا اغتصابا فعندها يفرغ لكم أيها الثقلان؟ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ .

حيث ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ آية من سورة التغابن، الآية 8، صفحة 556

 فَآمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ والنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، و مزجها مع الآية الزاجرة، و إذا تتبعنا سياق الآيات في سورة النساء و جدنا الله عزوجل يؤكد على خصوص الأصول الثلاثة التي لها تفريعات حتى تصل إلى خمسة، ويؤكد على التوحيد الذي من تفريعه العدل، ردا على الجبرية، و المفوضة، و النبوة التي من تفريعها الإمامة، رداً على المذاهب السياسية و الميعاد.

سورة النساء، آية 136، صفحة 100

 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى‏ رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً

 ذكر الله عدة عقوبات دنيوية قد أخذ بها بني إسرائيل، مثل: موتهم بصاعقة، و حين قالوا أرنا الله ثم أحياهم، و عفى عنهم و أماتهم في الصحراء مرة أخرى حين عبدو العجل، و بعد ذلك أحياهم وعفى عنهم أيضا، زجرهم برفع جبل الطورعليهم و هم يشهدون لكي يؤمنوا بميثاقهم، و اختبرهم بباب حطة الذي فيه إعلان توبتهم، و حين لم يطيعوا الله في بعض نواهيه عاقبهم، مثل أصحاب السبت، لكي يستخلص لنفسه المتقين منهم، و شدد عليهم بالمواثيق الغليظة، و لكن بعد ذلك نقضوا تعاليم الرب، و قتلوا الأنبياء، و كذبوا في حق مريم عليها السلام،  و هموا بقتل عيسى عليه السلام و لكن الله قال في محكم كتابه شُبِّهَ لَهُمْ!

ونصر نبيه ورفعه إليه، و عاقبهم عقابا دنيويا لمصلحة هو يراها، و لا يستبعد بعض العلماء أن المصلحة في قتل أصحاب السبت لأنه لا يوجد في نسلهم من هو مؤمن، أما هؤلاء فإن أبنائهم ينصرون عزير النبي عليه السلام و عيسى المسيح عليه السلام و الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف.

سورة النساء، من آية 153، إلى آية  158

 يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى‏ أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَ آتَيْنا مُوسى‏ سُلْطاناً مُبِيناً وَ رَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَ قُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَ كُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَ قَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ قَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً وَ بِكُفْرِهِمْ وَ قَوْلِهِمْ عَلى‏ مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً وَ قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً

 بعيدا عن القصة المذكورة المروية عن الإمام العسكري هناك بعض التأملات في الآيات،  حيث أن السمك لا يتواجد إلا في يوم السبت، لكي يبلوهم الله و يمحصهم و يستخلص لنفسه المتقين، فإن دار الدنيا دار اختبار، فهناك ثلاث فئات:  فئة أقدمت على الفعل، و فئة لم تنهى عن المنكر، و فئة تأمر بالمعروف لفئة صمتت و لم تتكلم و تنهى عن فعل الفئة الأولى التي أقدمت على المحرم المنهي عنه، حيث أنهم لم يتوقفوا بل استمروا بالفعل بقوله تعالى واصفا إياهم (عتوا)، و بسبب استمرارهم من بعد إعطائهم المهلة عاقبهم، كما ان الله سبحانه في الآيات قد ألهمهم بالابتعاد عن المعتدين، و الذين لم ينهو عن السوء ولم ينهوا عن المنكر.

سورة الأعراف، من آية 163، إلى آية 166

 وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ وَ إِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى‏ رَبِّكُمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَ أَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ

 بطبيعة الحال قد اختلف أصحاب السبت، فمنهم وعشرة ألاف قالوا هذا الفعل محرم ونحن ملتزمون بأوامر الله ونواهيه ونأمركم بهذا الالتزام، ولسنا راضين على من لا ينهاكم، ومنهم السبعون ألف الباقين يقولون ليس هناك من حرج لأن الله بارك في رزقنا ونحن أصحاب نفوذ بفضل هذا الشيء، ومنهم من كان يشتري منهم، بل روجوا للباطل من خلال الشراء، وهكذا حصل الاختلاف في هذا اليوم، وسيحكم الله بينهم.

سورة النحل، آية 124، صفحة 281

 إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

——————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- البقرة : 64، إلى آية 66 .

الليلة الحادية عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

إلهِي إلى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلى قَريب فَيَقطَعُنِي، أمْ إلى بَعيد فَيَتَجَهَّمُنِي، أمْ إلى الْمُسْتَضْعَفِينَ لِي، وَأنْتَ رَبِّي وَمَلِيكُ اَمْرِي، أشْكُو إلَيْكَ غُرْبَتِي وَبُعْدَ دَارِي، وَهَوَانِي عَلى مَنْ مَلَّكْتَهُ اَمْرِي.

روي عنه عليه السلام في دعائه: إلهِي إلى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلى قَريب فَيَقطَعُنِي، أمْ إلى بَعيد فَيَتَجَهَّمُنِي، أمْ إلى الْمُسْتَضْعَفِينَ لِي.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الزمر: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.

إن من البديهي أن الضلالة لا تأتي من دون سبب، وكذلك الهداية، بل إن كل حالة منهما هي استمرار لإرادة الإنسان وجهوده، فالذي يضع قدمه في طريق الضلال، ويبذل أقصى جهوده من أجل إطفاء نور الحق،  يخرج من الاتكال على الله إلى الاتكال النفسي أو الغيري فمن البديهي أن الله سيضله، ولا يكتفي بعدم توفيقه وحسب، وإنما يعطل قوى الإدراك والتشخيص التي لديه عن العمل، ويوصد قلبه بالأقفال، ويغطي عينيه بالحجب، وهذه هي نتيجة الأعمال التي ارتكبها، وهذه أصعب المراحل التي يمر بها، فيصبح عرضة الى القريب والبعيد ينهش به.

روي عن الحسين بن علوان قال: كنّا في مجلس يطلب فيه العلم، وقد نفدت نفقتي في بعض الأسفار، فقال لي بعض أصحابنا: من تؤمّل لما قد نزل بك؟ فقلت: فلاناً، فقال: إذاً _ والله _ لا تسعف حاجتك، ولا يبلّغك أملك، ولا تنجح طلبتك، قلت: وما علّمك؟ رحمك الله.

قال: إنّ الإمام الصادق (عليه السلام) حدّثني: أنّه قرأ في بعض الكتب أنّ الله تبارك وتعالى يقول: وعزّتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي، لأقطعنّ أمل كلّ مؤمّل من الناس أمّل غيري باليأس، ولأكسونّه ثوب المذلّة عند الناس، ولأنحّينّه من قربي، ولأبعّدنّه من وصلي، أيؤمّل غيري في الشدائد؟ والشدائد بيدي، ويرجو غيري؟ ويقرع بالفكر باب غيري؟ وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة، وبابي مفتوح لمن دعاني، فمن ذا الذي أمّلني لنوائبه فقطعته دونها؟ ومن ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاه منّي؟ جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم يرضوا بحفظي، وملأت سماواتي ممّن لا يملّ من تسبيحي، وأمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي فلم يثقوا بقولي، ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي أنّه لا يملك كشفها أحد غيري إلّا من بعد إذني، فما لي أراه لاهياً عنّي؟ أعطيته بجودي ما لم يسألني، ثمّ انتزعته عنه فلم يسألني ردّه وسأل غيري، أفيراني أبدأ بالعطايا قبل المسألة، ثمّ أسأل فلا أجيب سائلي؟ أبخيل أنا فيبخّلني عبدي؟ أوليس الجود والكرم لي؟ أوليس العفو والرحمة بيدي؟ أوليس أنا محلّ الآمال فمن يقطعها دوني؟ أفلا يخشى المؤمّلون أن يؤمّلوا غيري؟ فلو أنّ أهل سماواتي وأهل أرضي أمّلوا جميعاً ثمّ أعطيت كلّ واحد منهم مثل ما أمّل الجميع، ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرّة، وكيف ينقص ملك أنا قيّمه؟ فيا بؤساً للقانطين من رحمتي، ويا بؤساً لمن عصاني ولم يراقبني.

وروي عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في وصيّته لأبي ذرّ (رضوان الله عليه) قال: يا أبا ذرّ: إنّ الرجل ليعمل الحسنة فيتّكل عليها، ويعمل المحقّرات حتَّى يأتي الله وهو عليه غضبان، وإنّ الرجل ليعمل السيئة فيفرق منها يأتي آمناً يوم القيامة.

إن أصعب الامور في حياة الإنسان أن تكون الثقة  من طرفه  بشخص قريب كان أو بعيد، وفجأة يرد اليك تلك الثقة بخذلان غير متوقع، فيصبح الأمر أشبه بكابوس مظلم، لا تفسير له، وتنقلب الثقة الى خيبة أمل، وذلك قوله تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة هود: {ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤوس كفور}.

روي عن الإمام زين العابدين (ع)  قال: والذنوب التي تقطع الرجاء: اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والثقة بغير الله تعالى، والتكذيب بوعد الله‏.

قال الصادق (عليه السلام): لم يفزع يوسف (عليه السلام) في حالة إلى الله فيدعوه، فلذلك قال الله: ﴿فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنينَ﴾ فأوحى الله إلى يوسف في ساعته تلك: يا يوسف، من أراك الرؤيا التي رأيتها؟ فقال: أنت يا ربّي.

قال: فمن حبّبك إلى أبيك؟ قال: أنت يا ربّي.

قال: فمن وجّه السيّارة إليك؟ قال: أنت يا ربّي.

قال: فمن علّمك الدعاء الذي دعوت به حتّى جعل لك من الجبّ فرجاً؟ قال: أنت يا ربّي.

قال: فمن جعل لك من كيد المرأة مخرجاً؟ قال: أنت يا ربّي.

قال: فمن انطق لسان الصبيّ بعذرك؟ قال: أنت يا ربّي.

قال: فمن صرف كيد امرأة العزيز والنسوة؟ قال: أنت يا ربّي.

قال: فمن ألهمك تأويل الرؤيا؟ قال: أنت يا ربّي.

قال: فكيف استعنت بغيري ولم تستعن بي؟ وتسألني أن أخرجك من السجن، واستعنت وأمّلت عبداً من عبادي ليذكر إلى مخلوق من خلقي في قبضتي ولم تفزع إليّ، البث في السجن بذنبك بضع سنين بإرسالك عبداً إلى عبد.

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَأنْتَ رَبِّي وَمَلِيكُ اَمْرِي، أشْكُو إلَيْكَ غُرْبَتِي وَبُعْدَ دَارِي، وَهَوَانِي عَلى مَنْ مَلَّكْتَهُ اَمْرِي.

يتوكل الإنسان  في كل أموره إلى مليكه ويشكو غربته في دار الدنيا، ويبقى مشفقا على نفسه وهوان أمره في هذه الدنيا، روي عن  رسول الله (صلى الله عليه وآله)قال: قال الله عزّ وجلّ: يا بني آدم، كلّكم ضالّ إلّا من هديت، وكلّكم عائل إلّا من أغنيت، وكلّكم هالك إلّا من أنجيت، فاسألوني أكفكم وأهدكم سبيل رشدكم.

وروي عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) قال: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإنّ موسى بن عمران (عليه السلام) خرج يقتبس لأهله ناراً، فكلّمه الله عزّ وجلّ فرجع نبيّاً، وخرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان (عليه السلام)، وخرج سحرة فرعون يطلبون العزّة لفرعون، فرجعوا مؤمنين.

التّسليم معنًى وجدانيّ يفهمه كلّ إنسان بتوجهه الحقيقي الى الله والانقطاع اليه.

روي عن الإمام الرضا (عليه السلام): رفع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوم في بعض غزواته، فقال (صلى الله عليه وآله): من القوم؟

قالوا: مؤمنون، يا رسول الله،

قال: ما بلغ من إيمانكم؟

قالوا: الصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بالقضاء، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حلماء علماء، كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء، إن كنتم كما تصفون فلا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تجمعوا ما لا تأكلون، واتّقوا الله الذي إليه ترجعون.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روي عن الامام الصادق عليه السلام قال: ان من يدعو لقائمنا فانه يدعو له وطوبى لمن دعا له امام زمانه.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.